كتاب الطلاق
  فإن قيل: فقد روي عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها أبو حفص بن المغيرة ثلاثاً بكلمة واحدة، فلم يبلغنا أن رسول الله ÷ عاب ذلك(١).
  قيل له: هذا الخبر معارض بما هو أولى منه، وذلك ما روي عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة أنها كانت عند أبي حفص فطلقها آخر(٢) ثلاث تطليقات(٣)، فهذ الخبر أوجب أنه طلقها ثلاث تطليقات متفرقات.
  وروي أيضاً أن مروان أرسل إلى فاطمة بنت قيس قبيصة بن ذؤيب فسألها عن ذلك فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص، وأن النبي ÷ أمر علياً # على بعض اليمن فخرج معه زوجها، فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها(٤)، فدل هذا على ما دل عليه الخبر الأول، فإذا تعارض الخبران صار الثاني أولى؛ لأنه مروي عن فاطمة، وهي أعرف بكيفية طلاقها، وروي نحوه عن أبي سلمة، أو تقابلا وسقط الاحتجاج به، ويرجع إلى ما اعتمدناه.
  وعلى نحو ما قلناه أجرى أصحاب أبي حنيفة الكلام في هذا الخبر حين احتج به عليهم أصحاب الشافعي في أن العدد لا تتعلق به البدعة.
  فإن قيل: فقد روي أن يزيد بن ركانة حين طلق امرأته البتة حلفه النبي ÷ بالله ما أردت إلا واحدة(٥)، فلولا أنه لو أراد الثلاث كان يقع ما كان لاستحلاف رسول الله ÷ له معنى.
  قيل له: يجوز أن يكون وقع ما وقع من يزيد على سبيل الإقرار المحتمل؛ لأن
(١) أخرجه الدارقطني في السنن (٥/ ٢٠) والبيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٥٤٠).
(٢) «آخر» ساقط من (د).
(٣) أخرجه مسلم (٢/ ١١١٦).
(٤) أخرجه مسلم (٢/ ١١١٧).
(٥) أخرجه أبو داود (٢/ ١٢٩) وسماه ركانة بن عبد يزيد.