كتاب الطلاق
  البتة قد يعبر بها عن الثلاث، وقد يعبر بها عن الواحدة البائنة، ثم لما فسرها بالواحدة وادعت المرأة الثلاث استحلفه النبي ÷، وهذا لا يدل على أنه جعل البتة بلفظة واحدة ثلاثاً في الإيقاع.
  ويؤيد هذا التأويل ما قد علمناه من أن المستفتي لا تلزمه اليمين، وإنما تلزمه متى حصلت الدعوى والإنكار، وهذا يمنع استشهادهم به. على أنه لا فرق بينهم وبين الإمامية إذا ادعوا أن الثلاث بلفظة واحدة لا يقع بها شيء واستشهدوا بهذا الخبر فقالوا: أراد النبي(١) ÷ ألا يوقع شيئاً لو فسرها بالثلاث، فحملوا على مذهبهم الغرض في التحليف(٢).
  ومما يدل على ذلك: ما أجمعنا عليه من أنه لو قال: «أنت علي كظهر أمي ثلاثاً» لم يقع إلا ظهار واحد، فكذلك إذا قال: «أنت طالق ثلاثاً»، والمعنى أنه لفظ له مدخل في المنع من الوطء، فوجب أن يستوي فيه وجود ذكر العدد وعدمه.
  وأيضاً لا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أنه لو قال لها: «أنت طالق» ونوى ثلاثاً أنه لا يقع(٣) إلا واحدة، فكذلك إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، والعلة أنه أوقع الطلاق مرة واحدة، فوجب ألا يقع إلا تطليقة واحدة.
  ويقال أيضاً لأصحاب أبي حنيفة: قد أجمعنا في الكنايات أنه يستوي فيها نية الثلاث ولفظه، فوجب ذلك في الصريح، والمعنى أنه لفظ يقع به الطلاق.
  فإن قيل: إنه قد ملك الثلاث، فوجب أن يصح منه إيقاعها، كما أنه لما ملك الواحدة صح منه إيقاعها.
  قيل له: لا نمتنع من أنه قد ملك الثلاث وأنه يصح منه إيقاعها، لكنا نختلف في كيفية صحة إيقاعها، ألا ترى أنه وإن كان مالكاً للثلاث فليس يصح
(١) «النبي» ساقطة من (ج، د).
(٢) في (د): بالتحليف.
(٣) في (د): لا يقع به إلا.