باب القول فيما يقع من الطلاق وما لا يقع
  الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ÷: «تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»(١) وفي بعض الأخبار: «رفع عن أمتي ...» الخبر، فكل ذلك دال على أن من أكره على شيء كان موضوعاً عنه، وهذا راجع إلى أحكام الشيء(٢)، فوجب أن يكون المكره على الطلاق لا حكم لطلاقه.
  فإن قيل: هذا الحديث لا ظاهر له؛ لأن قوله: رفع عن أمتي كذا وكذا ظاهره يقتضي أن ذلك لا يقع، وقد ثبت أن ذلك يقع، فإذاً المراد به غير ظاهره.
  قيل له: إذا ثبت أن المراد باللفظ ما يتعلق بالإكراه أو النسيان من الأحكام وجب أن يكون عاماً في جميع الأحكام، كما أن قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ}[النساء: ٢٣] لما ثبت أن المراد به أفعالنا فيهن كان ذلك عاماً في جميع أفعالنا إلا ما خصه الدليل، فإذا ثبت ذلك ثبت أن ما تعلقنا به يجب أن يكون عاماً في جميع الأحكام، فإذا ثبت أنها قد رفعت عنهم ثبت أنهم غير مأخوذين بها، فثبت بذلك أن وجودها كعدمها.
  ويدل على ذلك: قوله ÷: «لا طلاق في إغلاق»(٣) والإغلاق هو المنع، وهو خلاف التخلية، والمكره مغلق عليه، فوجب ألا يقع طلاقه.
  فإن قيل: فالمكره غير مغلق عليه في التصرف من(٤) سائر الوجوه، فلا يجب أن يتناوله الاسم؛ لأنه مأخوذ ممن أُغْلِق عليه الباب ومُنِع التصرف من جميع الوجوه، وهذه صفة المجنون والصبي دون المكره.
  قيل له: لا يقتضي أن يكون ممنوعاً من جميع التصرف، ألا ترى أن من أغلق
(١) شرح معاني الآثار (٣/ ٩٥).
(٢) في (د): إلى أحكام شتى.
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ١٢٤) وابن ماجه (١/ ٦٦٠).
(٤) في (د): في.