باب القول فيما يقع من الطلاق وما لا يقع
  ووجه ما ذهبنا إليه: أن الدلالة قد دلت أن الله تعالى لا يريد من أفعال العباد إلا الطاعات واجبها والمندوب إليه منها(١)، وأنه لا يريد المباح منها، فإذا ثبت ذلك فقد علمنا أن الله تعالى غير مريد لطلاق من يمسك زوجته بالمعروف؛ لأن الطلاق مباح غير واجب ولا مندوب إليه، فوجب ألا يقع طلاقه؛ لأنه علقه بمشيئة الله تعالى، وقد علمنا أن الله تعالى لا يشاؤه، فكان سبيله سبيل من طلق على شرط ثم لم يحصل الشرط. فأما إذا كان غير ممسك لها بالمعروف فإن الله تعالى قد أوجب عليه إما الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان بقوله تعالى: {فَإِمْسَاكُۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُۢ بِإِحْسَٰنٖۖ}(٢) [الطلاق: ٣].
  فإن قيل: فإنه تعالى لم يشترط ذلك في كونه غير ممسك لها(٣) بالمعروف، بل خاطب به على سبيل العموم.
  قيل له: لا خلاف أن من كان ممسكاً لها بالمعروف لا يجب عليه أن يطلق، فيصير ذلك خصوصاً من العموم.
  فإن قيل: إذا لم يمسك بالمعروف فالواجب عليه أن يمسك بالمعروف، وليس يجب عليه أن يطلق.
  قيل له: يجب عليه أحد الأمرين على التخيير بدلالة الآية.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن هذا اللفظ موضوع في الشرع لمنع حصول ما علق به، كالإقرار إذا علق به لم يستقر؟
  قيل له: الإقرار إذا علق بالشرط لم يستقر، ألا ترى أن قائلاً لو قال: إن قدم زيد فلك علي ألف درهم، وإن مطرت السماء فلك علي ألف - لم يصح الإقرار، وليس كذلك الطلاق والعتاق إذا علقا بشرط؛ لأنهما يقعان بحصول الشرط. وكذلك الجواب إن سألوا عن البيع المعلق بمشيئة الله تعالى.
(١) في (د): والمندوب إليها.
(٢) في (ج) ونسخة في (أ، د): فأمسكوهن بمعروف.
(٣) «لها» ساقط من (ج، د).