باب القول في العدة
  حيض على وجه الشياع، ومن قال: إنه الطهر لم يستعمله إلا في الطهر الذي يكون بين الحيضتين(١)، فكان الأقرب أن استعماله في الحيض حقيقة، واستعماله في الطهر(٢) مجاز؛ إذ استعماله في الحيض يشيع، واستعماله في الطهر يختص. وأيضاً حكي عن بعض أهل اللغة أنه قال فيه: إنه الوقت، واستشهد بقول الشاعر:
  له قروء كقروء الحائض
  أراد وقتاً كوقت الحائض. وبقول الأعشى:
  لما ضاع فيها من قروء نسائكا(٣)
  يريد وقت وطئهن. فإن كان ذلك كذلك فالأولى(٤) أن يحمل القرء على وقت الحيض؛ لأن الوقت يكون وقتاً لما يتجدد فيه ويحدث، دون الطهر الذي هو باق على الأصل. وحكي عن بعضهم أنه قال: هو من الضم والتأليف، واستشهد بقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ ١٧}[القيامة] وبقول الشاعر:
  هجان اللون لم تقرأ جنيناً(٥)
  يريد لم تضم. فإن حمل على هذا الوجه فالأولى أيضاً أن يحمل على الحيض؛ لأن أجزاء(٦) دم الحيض تنضم وتجتمع من سائر البدن في وقت الحيض. وليس لقائل أن يقول: إن الضم والاجتماع يكون في الطهر؛ لأن ذلك لو كان كذلك لكان يسيل؛ إذ لا مانع منه. فبان بما ذكرناه أن حمله على الوجوه كلها على الحيض أولى من حمله على الطهر.
(١) وأما طهر الآيسة والصغيرة فلا يسمى قرءاً، وليستا من ذوات الأقراء.
(٢) يعني الطهر الذي بين الحيضتين، سمي بذلك لمجاورته الحيض.
(٣) عجز بيت صدره: مورثة مالاً وفي الحي رفعة.
(٤) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٥/ ٢٢٨): فالحيض أولى به؛ لأن الوقت إنما يكون وقتاً لما يحدث فيه، والحيض هو الحادث، والطهر إنما هو عدم الحيض وليس هو شيئاً حادثاً.
(٥) عجز بيت لعمرو بن كلثوم، وصدره: ذراعي عيطل أدماء بكر.
(٦) لفظ شرح مختصر الطحاوي: لأن دم الحيض إنما يتألف وينضم من سائر أجزاء البدن في حال الحيض.