شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الظهار

صفحة 388 - الجزء 3

  تَظَّهَّرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمْۖ}، وقد دل سبحانه وتعالى بقوله: {إِنْ أُمَّهَٰتُهُمْ إِلَّا اَ۬لَّٰٓئِے وَلَدْنَهُمْۖ} أن الأمهات التي يتعلق الظهار بذكرهن هن الوالدات دون غيرهن، فإذا ثبت ذلك جرى قوله: {وَالذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ}⁣[المجادلة: ٣] مجرى أن يقول: والذين يظاهرون من نسائهم بأمهاتهم اللآئي ولدنهم، فوجب أن يكون حكم الظهار مقصوراً عليهن دون من سواهن على ما بيناه.

  ومما يدل على ذلك أن المظاهر قد صار من طريق العرف في اللغة اسماً لمن يقول لزوجته: «أنت عليَّ كظهر أمي» دون من سواها؛ لأن العرب لم تكن تعرف الظهار إلا بالأم، وإذا كان للفظ عرف ثم ورد به خطاب الله تعالى وخطاب رسوله ÷ وجب أن يحمل على ما يقتضيه العرف، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون قوله تعالى: {وَالذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ}⁣[المجادلة: ٣]، بمنزلة أن يقول: يظاهرون من نسائهم بأمهاتهم؛ لاقتضاء العرف له، ألا ترى أن الزنا وإن كان في أصل اللغة اسماً للصعود في الجبل⁣(⁣١) فقد صار من طريق العرف اسماً للوطء المخصوص، فمتى ورد لله تعالى ولرسوله خطاب وجب أن يحمل عليه.

  فإن قيل: فإن النبي ÷ لما قالت له خولة بنت مالك: إن زوجي أوساً ظاهر مني لم يقل لها: ظاهر بالأم أم بغير الأم، بل أوجب الكفارة فيه، فدل ذلك على أن الكفارة تعلق بالظهار سواء كان الظهار بالأم أو بغيرها.

  قيل له: قد بينا أن عرف اللغة قد اقتضى في الظاهر⁣(⁣٢) أنه اسم للظهار بالأم، وأن ذلك كان معروفاً في العرب، فحمله ÷ حين سمعه على ما يقتضيه عرف اللغة؛ إذ هو المفهوم بظاهر اللفظ، فعلق الحكم عليه، ولم يستثبت ما سألت عنه؛ إذ كان ظاهر اللفظ لا يقتضيه على ما بيناه. على أن الآية نزلت في حكمه حين شكت خولة أمرها إلى رسول الله ÷ على ما وردت به الآثار،


(١) الزنا بمعنى الصعود مهموز. (من هامش د).

(٢) كذا في المخطوطات. ولعلها: الظهار.