باب القول في الإيلاء
  الرجل شيئاً مؤجلاً إلى شهر، ألا ترى أن توفية الثمن في الشهر وبعد الشهر صحيحة، إلا أنها قبل انقضاء الشهر تكون جائزة، وبانقضاء الشهر تكون خارجة عن الجواز إلى الوجوب، وتصح المطالبة به(١)، فيكون ذلك فائدة ضرب الأجل؟ فكذلك القول في فائدة ضرب مدة الإيلاء.
  فإن قيل: فإن الله تعالى جعل للمولي تربص أربعة أشهر، وأنتم إذا جعلتم له الفيء بعد المدة فقد زدتم في المدة التي ضربها الله تعالى وَحَدَّها.
  قيل له: لسنا نزيد في هذه المدة؛ لأن المدة مضروبة لامتناع توجه المطالبة بالفيء عليه لا لوقوع الفيء، فنحن إذا قلنا: إن المطالبة تصح بعد المدة لا يكون زيادة في المدة، ألا ترى أن من لزمه أداء المال بعد شهر إذا قلنا: إن التوفية تكون بعد انقضاء الشهر لا نكون زدنا في مدة الأجل، فكذلك لا نكون زدنا في مدة الإيلاء إذا جوزنا الفيئة بعد المدة.
  على أن المخالف يقول: إن أجل العنين حول، وتخير المرأة بعد الحول، وليس يقول: إن ذلك زيادة في المدة، فكذلك ما ذهبنا إليه.
  فإن قيل: قوله تعالى: {فَإِن فَآءُو فَإِنَّ اَ۬للَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞۖ ٢٢٤} بعد قوله سبحانه: {لِّلذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٖۖ}[البقرة: ٢٢٦] يدل على أن الفيء يجب أن يكون بعد الإيلاء؛ لأن الفاء توجب التعقيب.
  قيل له: لا فصل بينك وبين من قال: إنه يجب أن يكون بعد مضي مدة تربص؛ لأن الفاء توجب التعقيب، ألا ترى أنه قال تعالى: {فَإِن فَآءُو فَإِنَّ اَ۬للَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞۖ ٢٢٤} بعد قوله: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٖۖ}.
  فإن قيل: قد ثبت أن الفيء مراد قبل مضي المدة.
  قيل له: وما في ذلك ما يمنع كونه مراداً بعدها. على أن قوله تعالى: {وَإِنْ
(١) كذا في المخطوطات.