باب القول في الإيلاء
  والأصل في ذلك قول الله تعالى: {لِّلذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٖۖ}[البقرة: ٢٢٦] والألية هي اليمين في اللغة، وقد قال الله تعالى بعد ذكر الكفارة: {ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْۖ}[المائدة: ٨٩] واليمين الذي يكون ذلك كفارة لها هي اليمين بالله تعالى.
  ويدل على ذلك قول النبي ÷: «من حلف على أمر فرأى غيره خيراً منه فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه» فدل ذلك على أن اليمين هي التي تتعلق بها الكفارة؛ لإيجابه ÷ الكفارة على كل حالف خالف ما حلف عليه، وليس ذلك إلا اليمين بالله، فكل ذلك يبين أن اليمين في الشرع الحلف بالله دون ما عداه، ويبين ذلك أيضاً أن المفهوم من قوله ÷: «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» هو اليمين بالله تعالى على عرف الشرع، فإذا ثبت ذلك وجب أن يحمل قوله تعالى: {لِّلذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٖۖ} على الحلف بالله تعالى دون ما عداه.
  فإن قيل: فقد يقال: إن فلاناً حلف بالطلاق، وبالعتاق، وبصدقة ما يملك، ونحوه، ويجرى عليه اسم الحالف، وقد ذكر ذلك صاحبكم في كتبه(١) وذكرتموه.
  قيل له: نحن لا نمنع أن يجري ما ذكرتم من اسم الحلف واليمين، ولكن ذلك(٢) على ضرب من التجوز؛ لأن جميع ذلك ليس بيمين في الحقيقة، وإنما هو طلاق مشروط أو عتق مشروط أو صدقة(٣) مشروطة، وما ذكرتم من أن فقهاءنا وفقهاءهم قد استعملوا ذلك وأطلقوه في الكتب فهو صحيح، إلا أنه لا يمنع أن يحصل للفقهاء عرف في بعض الألفاظ فيشيع استعماله فيهم، كما يتفق ذلك باصطلاح المتكلمين والنحاة وغيرهم، ولا يجوز أن يحمل على شيء من
(١) في (د): كتابكم.
(٢) «ذلك» ساقط من (د).
(٣) في (د): وعتق مشروط وصدقة.