شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في بيع الأجناس بعضها ببعض

صفحة 93 - الجزء 4

  فإن قيل: فقد روي عن النبي ÷ أنه قال في التمر: «مثلاً بمثل كيلاً بكيل».

  قيل له: هو محمول على البلد التي عرف أهلها في التمر الكيل لما بيناه.

  ويوضح ما بيناه ما أجمعوا عليه أن كل بلد له عرف يعتبرونه في النقد، وأجمعوا أنه إذا قال البائع للمشتري: «بعتك هذا الشيء بكذا درهماً» على أنه محمول على ذلك النقد، وأن النقد الذي يتعامل به عرفاً إذا كان مختلفاً كان البيع فاسداً إذا لم يعين النقد، فإذا وجب أن يتبع حكم الشرع في باب النقد العرف وجب أن يكون ذلك حكم الكيل والوزن؛ لأن الناس قد خلوا واختيارهم في الكيل والوزن، كما قد خلوا واختيارهم في النقود.

  فإن قيل: فكيف يجوز أن يحل بيع في بلد ويحرم في بلد؟

  قيل له: كما يصح بيع في بلد ويفسد في بلد، ويقع الحنث في لفظ وقول لواحد ولا يقع لآخر؛ لأمر يرجع إلى العرف والعادة.

  على أن أبا حنيفة ذهب فيما يختلف حاله في البلدان في الكيل والوزن أن المعتبر به العرف، خلا الأشياء التي كانت بالمدينة على عهد النبي ÷ توزن أو تكال.

  وهذا مما يمكن أن يحتج به عليهم فيما خالفوا فيه.

  وحكي عن بعضهم أنه قال: إذا اختلف الوزن والكيل في البلدان كان الوزن أولى؛ لأنه أخص المماثلة. وهذا لا معنى له؛ لأنه لو وجب أن يعمل بأخص المماثلة وجب أن يوزن جميع ما يكال لهذه العلة. على أنهم جوزوا التمرة بالتمرتين لأن ذلك مما لا يكال عرفاً، لا لأن⁣(⁣١) الشرع منع منه أو كان ذلك مستحيلاً؛ لأنه كان يمكن أن يعمل مكيال صغير لقدر التمرة الواحدة، لكنهم⁣(⁣٢) اتبعوا العرف.


(١) في (أ): لأن. وفي (ج): لا أن. وفي (هـ): إلا أن.

(٢) في (هـ): إلا أنهم.