كتاب البيوع
  يفترقا، إلا بيع الخيار»(١). فلم يجعل بينهما # بيعاً حتى يفترقا، وقد سماهما متبايعين، فعلم أن المراد به المتساومان؛ إذ لا خلاف أن البيع واقع بنفس الإيجاب والقبول، وإذا ثبت ذلك ثبت أن الفرقة تكون فرقة الكلام كما تكون فرقة الأبدان، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ اَ۬لذِينَ أُوتُواْ اُ۬لْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ اُ۬لْبَيِّنَةُۖ ٤}[البينة]، وقال: {وَلَا تَكُونُواْ كَالذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ}[آل عمران: ١٠٥]، وقال: {إِنَّ اَ۬لذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاٗ}[الأنعام: ١٦٠].
  وروي عنه ÷ أنه قال: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». والمراد بجميع ذلك تفرق الأقوال، فوجب أن ينقطع الخيار عند حصول أول جزء منه، كما ان إباحة الأكل والشرب لما جعلت غايتها للصائم وقت طلوع الفجر كان أول جزء من الفجر قاطعاً للغاية، وذلك حكم الغايات(٢) أجمع، فدل ذلك على انقطاع خيارهما عند حصول تفرق الأقوال.
  على أن تفرق الأبدان لا تأثير له مع عدم تفرق الأقوال، فبان أن الحكم يتعلق بتفرق الأقوال؛ إذ التأثير له دون تفرق الأبدان الذي لا تأثير له. على أنا لو حملناه على تفرق الأبدان لم يجب فيه ما ذهب إليه مخالفنا؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد به أن البائع إذا قال: بعتك فللمشتري قبوله في المجلس ما لم يفارقه إذا لم يعرضا عنه ويأخذا في غيره، وللبائع الرجوع فيه ما لم يقبله المشتري، فإن افترقا قبل القبول عن المجلس بطل الإيجاب، ولم يكن للمشتري القبول، فيكون هذا الخيار مقصوراً على المجلس.
  فإن قيل: التفرق إذا أريد به الحقيقة فهو تفرق الأبدان دون تفرق الأقوال، فعليها يجب أن(٣) يحمل قول النبي ÷، وكذلك قوله: «البيعان بالخيار»،
(١) أخرجه في أمالي أحمد بن عيسى (٣/ ١٦٥) والبخاري (٣/ ٦٤).
(٢) في (أ، ب، ج، د): العادات.
(٣) «يجب أن» ساقط من (ب، د).