باب القول في شروط البيع
  قيل له: معناه بيع اللبن في الضرع دون الناقة، وشراء الحمل دون الحامل، وذلك مما لا نجيزه. ولا خلاف أنه يجوز أن يشتري شاة حلوباً وناقة حاملاً، فجاز أن يشترط ذلك.
  فإن قيل: فاللبن مجهول القدر، وكذلك الحمل مما لا يصح أن يعلم.
  قيل له: هذا وإن كان كذلك فإنه لا يقتضي جهالة في المعقود عليه؛ لأنه إن وجد على الصفة التي ذكر تم البيع، وإن لم يوجد كان للمشتري الخيار في الرد. على أن اللبن قدره مما يضبط ويعرف من طريق العادة، حتى لا تعترض الجهالة إلا في اليسير الذي لا معتبر به منه، وذلك القدر من الجهالة قد يعرض في الطبخ والخياطة إذا بيعت جارية على أنها طباخة والعبد على أنه خياط؛ لأن الطبخ يتفاوت، وكذلك الخياطة، ولا يمكن أن يضبط ذلك حتى لا تكون فيه جهالة يسيرة؛ لأنها لا معتبر بها، فكذلك ما قلناه. والحبل مثل الصحة؛ لأنه يعلم بغالب الظن؛ ألا ترى أنه يصح بيع العبد على أنه صحيح والجارية على أنها صحيحة وإن جاز أن يكون في باطنها(١) علة أو داء يسير لا معتبر بمثله؟ فكما صح البيع على شرط الصحة صح على شرط الحمل لما بيناه؛ والعلة أن كل واحد منهما يصح أن يعلم بغالب الظن. وإذا صح بما بيناه أن البيع على ذلك يصح ولم يجده على ما شرط جاز له أن يرده؛ لأن لا خلاف أن من اشترى شيئاً على صفة يصح البيع عليها فوجده على خلاف تلك الصفة فله رده إذا كان ما عليه السلعة أنقص مما شرط له.
  وقلنا: إذا رده وقد حلب اللبن واستهلكه رد معه عوضاً من لبنه لأنا قد قدمنا أن الرد بالخيار يوجب فسخ المبيع، فيصير في الحكم كأن البيع لم يكن وقع، وكأن الشيء لم يزل عن ملك البائع، فيجب أن تكون منافعه له.
(١) في (ب): بطنها.
(*) لعلها: باطنهما.