باب القول في المياه
  الناس على أنفسهم»(١).
  فلما قالوا: يا رسول الله، قوم أنجاس، وأجابهم النبي ÷ بما أجابهم كان مقاراً على ما قالوه، وإذا سمع النبي ÷ من أصحابه ما يتعلق بالشريعة وأقرهم عليه ولم ينكره جرى ذلك منه مجرى أن يقول مثل ما قالوه، فكأنه ÷ قال: إنهم قوم أنجاس، وإذا ثبت ذلك ثبت نجاسة أسآرهم(٢) ونجاسة ما ماسوه من المايعات(٣) بأبعاضهم.
  فإن قيل: قوله ÷: «ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء، إنما أنجاسهم على انفسهم» يدل على أنه أراد بتنجيسهم ذمهم وذم أفعالهم.
  قيل له: إن هذا التأويل وإن كان محتملاً فإنه يحتمل أيضاً أن يكون المراد أن أنجاسهم لا تضر الأرض ما لم يماسوها بأجسادهم الرطبة، وأن إزالة ذلك عن الأرض ممكن بالحفر والغسل، فليس عليها منه شيء، وإذا احتمل التأويلين تعارضا وصح لنا تنجيسهم بمقارة النبي ÷ أصحابه على قولهم: إنهم قوم أنجاس، ويكون تأويلنا أولى من تأويلهم؛ لأنه لا يوجب صرف هذا الظاهر عن الحقيقة إلى المجاز، وتأويلهم يوجب ذلك.
  ومما يدل على ذلك: ما أخبرنا به أبو العباس الحسني |، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن شنبذين، قال: حدثنا عمرو بن ثور، قال: حدثنا الفِرْيابي، قال: حدثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قِلابة، عن أبي ثعلبة الخُشَني(٤)، قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض أهل الكتاب - أو نأتي أرض أهل الكتاب - فنسألهم آنيتهم، فقال: «اغسلوها ثم اطبخوا فيها»، فليس يخلو
(١) شرح معاني الآثار (١/ ١٣).
(٢) في (ب): سؤرهم.
(٣) في (ب، د): من الماء.
(٤) بضم المعجمة وفتح الشين المعجمة بعدها نون. (تقريب).