شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الطهارة

صفحة 208 - الجزء 1

  أمر النبي ÷ بغسل آنيتهم من وجوه ثلاثة: إما أن يكون لكونها⁣(⁣١) لهم، وهذا لا معنى له بالاتفاق.

  أو لإلقائهم النجاسات فيها، وهذا أيضاً لا معنى له، لأنه لا يتخصص به أواني أهل الكتاب، لأن أوانيهم وأواني المسلمين في ذلك على⁣(⁣٢) سواء.

  فلم يبق إلا أن يكون أمر النبي ÷ بذلك لمماستهم لها بأبعاضهم وشربهم منها؛ لأن هذا هو الوجه الذي يوجب تخصيص ذلك بهم، وإذا ثبت ذلك ثبت ما ذهبنا إليه من نجاسة أسآرهم⁣(⁣٣).

  فإن قيل: يجوز أن يكون النبي ÷ أمر بذلك على سبيل الاحتياط؛ لأن الغالب أن أوانيهم لا تخلو من النجاسة، كنحو الخمر وما جرى مجراها.

  قيل له: هذا إخراج للأمر من الوجوب؛ لأن ما يكون كذلك يكون سبيله سبيل الاستحباب؛ إذ لا خلاف بين المسلمين أن بالشك لا يجب تنجيس الشيء، وإذا كان كذلك فهو إخراج للأمر عما وضع له بغير دليل، وذلك فاسد.

  ومما يستدل به على ذلك من طريق النظر: أنا نقيسه على الخنزير بعلة أنه حيوان أجرى الظاهر عليه سمة التنجيس، فكل حيوان يجري الظاهر عليه سمة التنجيس يجب أن يحكم بنجاسته.

  وليس لهم أن يناكرونا الوصف في الأصل ولا الفرع، فقد قال الله تعالى في الخنزير: {فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ}⁣[الأنعام: ١٤٥]، وقال في المشركين: {إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ}⁣[التوبة: ٢٨]، لأنهم وإن نازعوا في التأويل لم يمكنهم أن ينازعوا في اللفظ، ونحن علقنا الحكم به.

  فإن عارضوا قياسنا هذا وقاسوا المشرك على المسلم بعلة أنه آدمي حي -


(١) في (أ، ب): بكونها.

(٢) «على» ساقطة من (ب، د).

(٣) في المخطوطات: أسوارهم.