باب القول في السلم
  ووجهه: أنا نصدق البينتين؛ لأن ظاهر أحوال المسلمين السلامة، ومتى صدقناهما وجب أن تحمل شهادتهما على عقدين أحدهما فاسد والآخر صحيح، فيجب أن يلغى العقد الفاسد وإن قامت به البينة، والعقد الصحيح يجب أن يقرر متى قامت بينته، فصار المحكوم به بينة المدعي لصحة السلم لما بيناه.
  وقلنا: إن لم يكن لواحد منهما بينة فالقول قول من حلف منهما لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه، فأيهما حلف لصاحبه سقطت دعوى خصمه عنه، ومن لم يحلف تثبت عليه دعوى صاحبه؛ لنكوله، فيكون القول قول من حلف منهما على ما بيناه.
  فإن قيل: فكيف صار كل وحد منهما مدعياً ومدعى عليه؟
  قيل له: لأن المدعي لصحة السلم يدعي حقاً بعينه بموجب سلمه، إلا أنه إن كان هو المسلم فهو يدعي مبيعاً عليه بعينه، وإن كان هو المسلم إليه فإنه يدعي عليه أنه يلزمه قبض مبيع معين عوضاً عن رأس ماله، والمدعي لفساد السلم مقر بالسلم، ويدعي فساداً لم يظهر، فصار مدعياً من هذا الوجه، فوضح ما ذكرناه من أن كل واحد منهما مدعٍ ومدعى عليه.
  وقلنا: إن حلفا جميعاً كان القول قول المثبت لصحة السلم لأنه(١) يدعي خلاف الظاهر، فعليه البينة، وعلى خصمه اليمين، فكما أن من ادعى على غيره حقاً فأنكر المدعى عليه لا يلتفت إلى يمين المدعي لأنه مدع خلاف الظاهر [فكذلك هنا]؛ لأن المدعي فساد السلم مدعٍ خلاف الظاهر.
(١) أي: مدعي الفساد. (من هامش د).
(٢) في (هـ): فيه.
(*) الأحكام (٢/ ٧٣).