باب القول في وجوب الأجرة
  قيل له: هذا ليس بارتشاء؛ لأن الارتشاء أن يأخذ من أحد الخصمين: إما ليظلم أو لينصف(١)، وعلى كلا الوجهين هو حرام، وما يأخذ القاضي من الإمام ليس على هذا الوجه؛ لأنه يجري مجرى ما يأخذه الإمام لنفسه من بيت مال المسلمين يستعين به على ما هو فيه من تحري مصالح المسلمين.
  قال(٢): وأجرة الكاهن والبغي حرام(٣).
  لأن رسول الله ÷ روي عنه ذلك(٤)، وقال الله ø: {لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ}[النساء: ٢٩]، وهذا من أكل المال بالباطل.
  [قال:] وتكره أجرة الغازي في سبيل الله، وهو الذي لا يخرج إلا بأجرة(٥).
  وذلك لأنه أخذ العوض على ما هو قربة وطاعة، بل واجب، وذلك لا يجوز.
  وقوله: وهو الذي لا يخرج إلا بأجرة يدل على أنه يجوز للغازي الذي يخرج متقرباً إلى الله تعالى أن يأخذ ما يهدى إليه إذا لم يكن ذلك مشروطاً، كما يجوز للمؤذن ولمن يعلم القرآن ولمن يعين إنساناً في حاجة له.
  قال القاسم #: ويكره عَسْبُ(٦) الفحل؛ اتباعاً للأثر.
  هو كما قال #، والأثر الوارد فيه مشهور(٧).
  قال [القاسم #](٨): وتكره أجرة السمسار إلا أن يستأجر بأجرة معلومة على شيء معلوم. وذلك أن المجازفة فيه تعظم وتكبر وتخرج عن أجرة المثل، ولا يأخذ السمسار على شيء معلوم على قدر عمله، وإنما يأخذ على قدر السلعة. فأما إن أخذ بإذن صاحب المال على قدر العمل لم يكره ذلك وجرى مجرى سائر الصناع.
(١) في (د): لينتصف.
(٢) «قال» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٣) الأحكام (٢/ ٣٥٨).
(٤) أخرجه البخاري (٣/ ٨٤) ومسلم (٣/ ١١٩٨).
(٥) الأحكام (٢/ ٣٥٨).
(٦) عَسْبُ الفحل: ماؤه، وعسبه: ضرابه. (نهاية).
(٧) أخرجه البخاري (٣/ ٩٤) وأبو داود (٢/ ٤٧٤).
(٨) ما بين المعقوفين من شرح القاضي زيد.