كتاب الإجارة
  على أنها لو كانت تصح أن تكون أصلاً لهذا الباب لصح أن تكون أصلاً لدفع الغنم إلى الراعي ببعض النماء من الأولاد والألبان، وعلى أن المزارعة والمساقاة بدفع الغنم إلى الراعي ببعض النماء أشبه.
  فأما ما ذهب إليه الشافعي من أن المساقاة أصل للمضاربة فمن المحال الذي لا يذهب على محصل؛ لأن المضاربة أمر لا خلاف فيه بين المسلمين، بل نعلم صحتها وجوازها من دين المسلمين(١) ضرورة، والمساقاة أمر مختلف فيه، فكيف يكون المتفق عليه فرعاً على المختلف فيه، والمختلف فيه أصلاً للمتفق عليه؟
  فإذا فسدت المزارعة بما بينا كانت الإجارة فاسدة متى وقعت، فوجب ما قلنا من كون الزرع لمالك البذر، وصح وجوب كراء الأرض على الزراع(٢)؛ لأنه أخذ أرض صاحب الأرض بإجارة فاسدة وزرع فيها وطرح بذره. وإن كان البذر لصاحب الأرض لزمه أجرة العمل للزراع؛ لأنه يكون مستعملاً له في أرضه وبذره بإجارة فاسدة، وعلى هذا القياس إن كان البذر بينهما.
  قال: وإن تصالحا على ذلك جاز الصلح.
  لقوله ÷: «الصلح جائز بين المسلمين» وقوله: «وكل صلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً»(٣).
  قال أبو حنيفة: إن كان البذر للزراع تصدق بالزرع(٤).
  وهذا مما لا يجب؛ لأنه ليس بغاصب، بل طرح بذره في الأرض بإذن مالكها، وإنما كانت الإجارة فيه فاسدة، فكيف يجب التصدق به على أصله؟ على أنه في الغصب أيضاً يبعد، أرأيت لو غصب دجاجة فحضنها بيضاً يملكها أكان يلزمه التصدق بالفراخ؟ ونظائره كثيرة.
(١) في (هـ): الإسلام.
(٢) في (هـ): الزارع.
(٣) أخرجه أبو داود (٢/ ٥١١) والترمذي (٣/ ٢٨).
(٤) في (هـ): بالربح. وفي شرح مختصر الطحاوي (٣/ ٤٣٦): وإن كان المستحق للبذر هو العامل أخذ من الزرع قدر بذره وقدر أجرة الأرض وتصدق بالفضل.