شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في المياه

صفحة 229 - الجزء 1

  المغصوب مستهلك له وقد نهي عن استهلاك ذلك الماء - ثبت أن الاستهلاك له بالتوضؤ لا يقع موقع الصحيح، فلا يكون فاعله متوضئاً بالشرع.

  ويدل على ذلك أيضاً أنه قد ثبت كون الوضوء قربة؛ بدلالة ما روي عن النبي ÷ أنه كان يقول: «الطهور شطر الإيمان»⁣(⁣١)، وما روي عنه ÷ من قوله: «تَرِدُون علي غراً محجلين من الوضوء»⁣(⁣٢)، وغير ذلك مما ورد في هذا الباب، ومما يبين من بعد أنها عبادة مفتقرة إلى النية كسائر العبادات، فإذا ثبت ذلك ثبت أن المتوضئ بالماء المغصوب عاص بما يفعله، وثبت أنه لا يكون متوضئاً؛ لأن المعصية لا تكون قربة وعبادة.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن تكون هذه المعصية تسقط وجوب تلك القربة، فإن مثله قد يوجد؟ ألا ترى أن من قطع رجل نفسه يسقط عنه وجوب القيام في الصلاة، وكذلك من أدى زكاته في الصلاة المفروضة قاطعاً لها يكون عاصياً ومع ذلك يسقط عنه وجوب الزكاة؟

  قيل له: لسنا نقول: إن ذلك مستحيل أن يرد به الشرع على الحد الذي سألت عنه أو تتعلق به المصالح، لكنا نقول: إن الأصل امتناع ذلك، والقائل به يحتاج إلى دليل شرعي، ولم تدل الدلالة على أن هذه المعصية أسقطت وجوب تلك القربة، فوجب القضاء ببقاء وجوب تلك القربة على ما كانت [عليه⁣(⁣٣)].

  وأيضاً فإنه مقيس على الماء النجس في أنه لا يجوز التطهر به بعلة أن المتطهر به ممنوع من التصرف فيه، فكذلك الماء المغصوب.

  فإن قاسوه على الماء الذي ليس بمغصوب كان قياسنا مرجحاً؛ للنقل؛ لأنه ينقل الماء عما كان عليه، إذ من شأن الماء أنه يقع به التطهر، وكان أيضاً مرجحاً بالحظر والاحتياط.


(١) أخرجه مسلم (١/ ٢٠٣) وأحمد (٢٧/ ٥٣٧).

(٢) أخرجه مسلم (١/ ٢١٧) وابن ماجه (٢/ ١٤٣١).

(٣) ما بين المعقوفين من (ب).