كتاب الغصوب
  قيل له: هذا لا يلزم على علتنا؛ لأنا عللنا بأن قلنا: تصح فيها الإباحة، والإباحة لا تصح في الوطء.
  على أن منفعة البضع لا تشبه سائر المنافع، ألا ترى أن من ملك البضع بعقد صحيح ثم لم يطأ وبقي مدة وطلق لا تستحق مهر المثل؟ وكذلك عندنا لو مات، وليس كذلك سائر المنافع؛ لأن من استأجر داراً مدة ولم يسكنها استحق عليه الكراء، فدل ذلك على أن استحقاق عوض الوطء على خلاف استحقاق أعواض سائر المنافع؛ لأن عوض البضع لا يستحق إلا بالوطء عن عقد صحيح أو شبهه، وليس كذلك سائر المنافع، ألا ترى أن المرأة لو رضيت أن تتزوج وتوطأ بغير مهر لم يصح ذلك ووجب فيه المهر؟ على أن المهر ليس هو عوض عن الوطء؛ لأنه سواء وطئ مرة أو ألف مرة فإنما يجب مهر واحد، فبان أنه عوض الوطء الأول الواقع على الاستباحة.
  فإن قيل: فيلزمكم على علتكم الحر إذا احتبس ومنع التصرف أن يلزم له كراء المثل.
  قيل له: لا يلزم ذلك؛ لأنا قسنا المنافع على أصولها، والحر لا تصح فيه الإباحة والاعتياض(١) عليه، فلم يجب أن نقيس عليه(٢) منافعها(٣). على أن منافع الحر لا تصح فيها الإباحة.
  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه قال: «الخراج بالضمان» فإذا ضمن الغاصب المغصوب فيجب أن تكون منافعه له.
  قيل له: ليس من مذهبكم أن المنافع تكون للغاصب، وإنما تقولون: إنه لا يضمنها بالاستهلاك، فلم تقولوا بموجب الخبر في هذا الموضع، ولم يقل به أحد
(١) في (أ، ج): بالاعتياض.
(٢) في (هـ): عليها.
(٣) لفظ شرح القاضي زيد: فلم يجب أن تقاس منافعه عليه.