باب القول في الوقف
  ÷ فعرفه(١) فقال له: «إن شئت حبست أصلها لا يباع ولا يوهب» ولم يذكر له المصرف، فلولا أن الوقف يصح من دون ذكر المصرف لعرفه النبي ÷ ولم يقتصر به على قوله: «إن شئت حبست أصلها».
  وكذا الحديث الآخر الذي قال له فيه: «تصدق به، تقسم ثمره، وتحبس أصله لا يباع ولا يوهب» فيه وجهان من الدلالة:
  أحدهما: أنه قال له: «تصدق به» ولم يقل على من(٢)، فلولا أنه يصير وقفاً بقوله: تصدقت به لم يقتصر عليه حتى يقول: على كذا وكذا.
  والوجه الثاني: أنه قال: «تقسم ثمره وتحبس أصله» ولم يقل: تقسم الثمر في باب يدوم، وإنما أشار إلى قسمة الثمر وتحبيس الأصل، فدل ذلك على ما قلناه.
  وأيضاً يخرج العبد عن ملكه بقوله: أعتقتك، فكذلك يجب أن يخرج من ملكه بقوله: وقفت؛ لأن كل واحد منهما إخراج لملكه لا إلى مالك قربة إلى الله ø، فإذا ثبت ذلك ثبت أن الوقف يصح إذا وقفه على رجل بعينه.
  ويدل على ذلك ما روي: أن عبدالله بن زيد الأنصاري جعل حائطاً له صدقة وجعله إلى رسول الله ÷، فجعله رسول الله لأبويه، ثم جعله له بعد ذلك، فدل ذلك على ما قلناه: إنه يصير صدقة وإن لم يذكر المصرف، وأن ذكره بعد ذلك جائز.
  قال ابن أبي هريرة: إذا قال: «تصدقت بداري هذه» ولم يسبلها على قوم على وجهين(٣): أحدهما: باطل. والثاني: جائز، ويكون وقفاً على أقرب الناس بالمحبس(٤). قال ابن سريج: يرجع لورثة الواقف.
(١) في (أ، ج): يعرفه.
(٢) في (أ، ج): على من قال.
(٣) ولفظ الحاوي للماوردي (٧/ ٥٢٠): فلو قال: وقفت هذه الدار ولم يزد على هذا ففي الوقف وجهان: أحدهما: باطل، وهو الأقيس؛ للجهل باستحقاق المصرف. والوجه الثاني: جائز ... إلخ.
(٤) في (ب): بالحبس. وفي (هـ): بالحبيس.