شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب العتق

صفحة 26 - الجزء 5

  البحر فلا يجوز إلا بأمر الله ø؛ إذ لا خلاف أن مثل تلك الحالة إن عرضت في مثل هذا الزمان لم يحل لأحد أن يلقي نفسه في البحر بالقرعة، بل لا يحل تعريض النفس للتلف إلا بإذن شرعي، فالنبي أولى ألا يفعل ذلك إلا بأمر الله تعالى.

  وأما ما روي أن النبي ÷ أقرع بين ستة أعبد وأعتق اثنين⁣(⁣١) فليس في الحديث كيف كان أمر القرعة، ويحتمل أن يكون معنى أقرع بينهم ضرب بينهم بالسهام⁣(⁣٢)؛ لأن القرع هو الضرب، ومنه اسم المقرعة، وقوله: «أعتق اثنين» المراد به الثلث من الستة، فعبر عنه بالاثنين، فإذا احتمل ذلك لم يكن حمله على مذهبهم بأولى من حمله على مذهبنا، بل حمله على ما ذهبنا إليه أولى؛ للأدلة التي ذكرناها ونذكرها.

  على أن القرعة لو جاز أن نحكم بها في العتاق لجاز أن نحكم بها في الطلاق كما حكي ذلك عن أبي ثور، وحكي عنهم أنهم أجازوا إدخال القرعة في البينات، كأن⁣(⁣٣) يشهد شاهدان أن رجلاً طلق امرأته زينب في حال مات عقيبها، وشهد شاهدان آخران أنه بعينه في تلك الحال طلق امرأته هنداً، وعلى هذا يلزمهم إدخال القرعة في جميع الأحكام الملتبسة حتى يخرجوا عن دين الإسلام.

  فإذا بطلت القرعة وثبت ما قلناه وجب أن يسعى كل واحد منهم في ثلثي قيمته؛ لأنه استحق ثلث الحرية، وحصل الثلثان فيه⁣(⁣٤) على وجه السراية، فوجبت السعاية بما ذكرناه. على أن كل من أبى القرعة قال فيه بالسعاية، وقد بطلت القرعة، فوجبت السعاية.


(١) أخرجه مسلم (٣/ ١٢٨٨) وأبو داود (٣/ ٢٧، ٢٨).

(٢) في (أ، ج): السهام.

(٣) في (ب): كما.

(٤) «فيه» ساقط من (أ، ج).