باب القول في المكاتبة
  وذلك لقول الله ø: {فَكَاتِبُوهُمْ} ولم يقل: كل واحد منهم عن نفسه، فاقتضى ظاهره جواز الكتابة عن نفسه وعن غيره. وأيضاً الكتابة عقد معاوضة كالبيع، فكما جاز أن يعقد الشراء على الأولاد جاز أن يعقد الكتابة، وتشهد له الإجارة. فإن أدى الكتابة عتق وعتقوا؛ لأنه بمنزلة المشتري إذا وفى الثمن استحق قبض السلعة، ولأن الأب وجب عتقه لأدائه مال كتابة انعقدت عليه، فكذلك الأولاد لهذه العلة. وإن عجز استرق واسترقوا؛ لأن العجز يوجب فسخ الكتابة، وفسخ الكتابة يوجب كونهم أرقاء كما كانوا قبل الكتابة.
مسألة: [في المكاتب يشتري أم ولده أو يولدها ثم يموت وقد بقي عليه بعض الكتابة]
  قال: ولو أن مكاتباً اشترى أم ولده مع الولد، أو أولدها بعد ذلك، ثم مات وقد بقي عليه بعض الكتابة كانت الأمة وولدها منه بمنزلته، فإن أدت هي أو بعض أولادها ما بقي من كتابته عتقت وعتقوا، وإن عجزوا ردوا في الرق، ولا يسترقوا إلا بالعجز عن الإيفاء(١).
  اعلم أن المكاتب إذا اشترى أمة لم يكن له وطؤها؛ لأن المكاتب لم يثبت له الملك بعد، وإنما يثبت حق الملك، ولا يحل الوطء إلا في ملك صحيح.
  وتفسير المسألة قد مضى في كتاب النكاح، وهو أن يكون المكاتب قبل كتابته تزوج بأمة، ثم اشتراها بعد الكتابة(٢)، فله أن يطأها بالنكاح المتقدم؛ لأن الملك لما لم يستقر لم يبطل النكاح، فهذا تفسير قوله: أو أولدها بعد الشراء.
(١) الأحكام (٢/ ٣٣٩).
(٢) لفظ شرح القاضي زيد: وصورة المسألة أن يكون العبد تزوج بأمة قبل عقد الكتابة بإذن سيده واستولدها، ثم اشتراها وولده منها في حال الكتابة، أو لما اشتراها بعد الكتابة ووطئها بحكم النكاح ولدت منه، وهذا معنى قول يحيى #: أو أولدها بعد الشراء. فإذا مات كانت الأمة وولدها على حكم الكتابة مثله.