باب القول في المكاتبة
  واعلم أن الناس اختلفوا في المكاتب إذا مات وعليه مال الكتابة، فقال الشافعي: مات عبداً على كل حال، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن مات ولا وفاء له مات عبداً، وإن مات وله وفاء أو ما يجري مجرى الوفاء - كأن يموت وله ولد دخل معه في الكتابة بالولادة، أو بأن تكون انعقدت عليه مع أبيه فيؤدي الولد - مات حراً، وهو معنى قولنا: ما يجري مجرى الوفاء. وروي نحو هذا القول عن علي وابن مسعود(١)، ونحو قول الشافعي عن عمر، وحكى أبو بكر الجصاص(٢) نحو قولنا: عن زيد بن ثابت وابن الزبير، وحكى ابن أبي هريرة نحو قولهم عن ابن عمر وزيد وعائشة.
  وتحصيل هذا الباب أنه يحكم له بحكم من مات وهو حر، ولسنا نريد أنه يلحقه في نفسه العتق على التحقيق؛ لأن اختلاف الأحوال عليه بعد الموت مما لا يصح.
  والدليل على ذلك قول الله تعالى: {مِنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٖ يُوصِے بِهَا أَوْ دَيْنٍۖ}[النساء: ١١] فحكم ببقاء الدين بعد الموت(٣)، ومال الكتابة دين على المكاتب، فوجب استيفاؤه بعد موته، وإذا وجب الاستيفاء بالآية ثبت العتق على ما نقوله؛ إذ لم يوجب أحدٌ الاستيفاء ومنع(٤) حصول العتق.
  فإن قيل: هو في الأحرار.
  قيل له: بل هو في كل من كانت له ذمة وكان له مال وعليه دين من الأحرار والمكاتبين.
  فإن قيل: لو كان ديناً لوجب أن يبرأ منه بمقدار ما يؤدي براءة يقع بها العتق.
(١) أخرجه عنهما عبدالرزاق في المصنف (٨/ ٣٩١، ٣٩٢، ٣٩٤، ٣٩٥).
(٢) شرح مختصر الطحاوي (٨/ ٣٦٧).
(٣) وأوجب قضاءه من ماله. (شرح مختصر الطحاوي ٨/ ٣٦٩).
(٤) في (هـ): ويمنع.