باب القول في صفة التطهر وما يوجبه
  قصداً إلى أن يكون قربة إلى غيره؛ ولهذا نقول: إن القديم سبحانه لا بد أن يكون مريداً لجميع أفعاله خلا الإرادات والكراهات، وهذا بين، وسقوط ما سألوا عنه واضح.
  فإن قيل: فقد أمرنا بإزالة النجاسات عن(١) أبداننا وثيابنا عند الصلاة، وكذلك قد أمرنا بستر العورة، ومع ذلك(٢) لا يجب أن يضامها القصد.
  قيل له: لو خلينا وظاهر الآية لأوجبنا ذلك، إلا أنا خصصناه بدلالة الإجماع، على أنا لو دفعنا سؤالهم في القصد بأنه مخصوص بالإجماع لكان ذلك جائزاً، إلا أنا أحببنا كشف الكلام فيه؛ لأنه أصل كبير.
  فإن قيل: العبد يكون مخلصاً من حيث اعتقد الإيمان، فهو إذاً مخلص في سائر شرائعه من حيث اعتقد الإيمان؛ لأنه لو لم يكن مخلصاً لكان مشركاً؛ لأن ضد الإخلاص الشرك، فكان يجب أن يكون من لم ينو مشركاً.
  قيل له: ما قلت: إن العبد يكون باعتقاد الإيمان مخلصاً في جميع الشرائع فليس الأمر على ما قلت؛ لأنه لا يمتنع أن يكون يعتقد الإيمان ويخلص في عبادة ولا يخلص في أخرى، والآية اقتضت أن يضام الإخلاص جميع العبادات؛ ألا ترى أن قائلاً لو قال: ما أمر فلان إلا بأن يخرج راكباً لاقتضى ذلك أن يكون خروجه يضامه الركوب، وكذلك لو قال: ما أمر إلا بأن يصلي متطهراً؟ فإذا كان ذلك كذلك فلا بد من قصد يضام جميع العبادات بحكم الظاهر، إلا ما خَصَّ منه الدليل.
  وقوله: إن ضد الإخلاص هو الإشراك، فلو كان الأمر كما قلتم لكان من لم ينو مشركاً - غلط، وذلك أنا(٣) لو سلمنا أن الإشراك ضد الإخلاص لم يجب أن
(١) في (ب): على.
(٢) في (د) ونسخة في (أ، ب): هذا.
(٣) في (أ، ب): بأنا.