باب القول في الأيمان
  وفصل بين هذا وبين البيع بما تحصيله أن البيع يتعلق بالبائع وإن كان وكيلاً ثم ينتقل(١) عنه، ألا ترى أن الخصومة تكون بين المشتري وبين الوكيل في التسليم والقبض والرد بالعيب، فصار البائع في الحقيقة من تولى البيع، فأما النكاح والطلاق والعتاق فإنها أجمع تتعلق بالموكل، ألا ترى أن الوكيل لا يقال فيه: إنه متزوج كما يقال: إنه بائع، ولا يتعلق عليه شيء من أحكام الطلاق، ولا يكون مطلقاً في الحقيقة؟ ألا ترى أنه لو طلق عن رجل زوجته ثلاثاً حلت له؟ وكذلك العتاق، ألا ترى أن الولاء يكون للموكل ولا يكون للوكيل؟ وليست هذه الأشياء - أعني النكاح والطلاق والعتاق - بشيء يستقر حكمه للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل كما قلناه في البيع؛ فلذلك فصلنا بينهما.
  قال: وعلى هذا إن حلف ألا يهب فأمر غيره أن يهب، أو حلف ألا يقطع ثوباً فأمر غيره أن يقطع [فإنه يحنث].
  أما الهبة فهي مثل النكاح؛ لأن شيئاً من أحكامها(٢) لا يستقر للوكيل، وإنما الواهب هو الآمر، والوكيل فيه كالمعبر(٣) كما قلنا في النكاح والطلاق والعتاق.
  وأما قطع الثوب فوجهه: أن عادات الناس جارية في أن يقطع(٤) ثيابهم غيرهم، إلا أن يكون خياطاً(٥)، فإذا حلف ألا يقطع ثوبه فهو من جهة العرف كأنه(٦) قال: لا آمر بقطعه؛ فلذلك حنث.
(١) في (أ، ج، د): ينقل.
(٢) في (أ، ج، د): أحكامه.
(٣) في (أ، ج): كالمعين.
(٤) في (هـ): أن لا يقطع.
(٥) أي: إلا أن يكون الحالف خياطاً. قال في شرح القاضي زيد: قلنا: إلا أن يكون خياطاً وكان من عادته قطعه بنفسه فإذا قال: لا أقطع فمعناه لا أتولى ذلك بنفسي، فإذا أمر غيره لم يحنث.
(٦) في (ب، د، هـ): فكأنه.