كتاب الأيمان والكفارات
  فإن قيل: الكفارة وجبت لحرمة اللفظ، والغموس قد شاركت المعقودة في حرمة اللفظ.
  قيل له: لا يكون وجوب(١) الكفارة لحرمة اللفظ؛ لأن ذلك لو كان كذلك لوجب أن تلزم الكفارة في اللغو؛ لوجود حرمة اللفظ، وفي(٢) قول الرجل: والله وإن لم يعلقه على شيء.
  فإن قيل: قوله تعالى: {وَلَٰكِنْ يُّؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْۖ} يقتضي إيجاب الكفارة في الغموس؛ لأن المؤاخذة التي تتعلق بكسب القلب إنما تكون بالقصد إلى ما لا يجوز الحلف عليه.
  قيل له: الله تعالى ذكر أنه يؤاخذ بكسب القلب، ولم يقل: إن المؤاخذة بالكفارة، فليس في ظاهر الآية إيجاب الكفارة، ونحن نقول: إنه يؤاخذ، ولكن المراد به العقوبة، يبين ذلك أنه لا ذكر فيه للكفارة. وأيضاً لا خلاف أن وجوب الكفارة يرجع إلى اللفظ دون كسب القلب، فلا وجه لتعلقهم بالآية. وأيضاً الكفارة لا يختلف حكمها بين أن يكون الحالف آثماً في حلفه أو غير آثم، فعلم أنها لم تتعلق بكسب القلب. ولا يصح تعلقهم بظاهر قوله تعالى: {ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْۖ}[المائدة: ٩١] لأن فيه ضميراً بالإجماع؛ لأن المراد به إذا حلفتم وحنثتم، فالآية لا ظاهر لها، فنقول: تأويلها إذا حلفتم ثم حنثتم، وهذا لا يكون إلا في المستقبل.
  ومما يدل على أن المعقودة التي تعلقت الكفارة بها ما ذهبنا إليه أن المعقودة هي التي يصح فيها المضي عليه معقوداً ويصح حله، والغموس لا يصح فيها لا المضي على عقدها ولا حلها؛ لأنها تقع محلولة مقارنة للحنث، فلا تكون معقودة على وجه من الوجوه.
(١) «وجوب» ساقط من (هـ).
(٢) في (أ، ج): «في» بدون واو.