باب القول في حد القاذف
  قيل له: ذكر التأبيد يدخل في الكلام للتأكيد لا لأن يفيد فائدة أكثر من التأكيد، ألا ترى أن الله تعالى قال: {وَمَنْ يَّعْصِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ نُدْخِلْهُ نَاراً خَٰلِداٗ فِيهَا}[النساء: ١٤] وقال تعالى في موضع آخر: {وَمَنْ يَّعْصِ اِ۬للَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداًۖ ٢٣}[الجن] فلم نستفد بإحدى الآيتين إلا ما استفدناه بالأخرى، ولم يكن لذكر التأبيد فائدة أكثر من التأكيد؟ فكذلك في آية القاذفين.
  فإن قيل: الآية اشتملت على أمرين: أحدهما: إبطال الشهادة، والثاني: إثبات اسم الفسق، وقد علمنا أن الفسق مبطل للشهادة، فلولا أن ذكر إبطال الشهادة أفاد معنى آخر وهو أن الشهادة غير مقبولة أبداً قبل التوبة وبعدها - لم يكن لذكر إبطال الشهادة معنى مع ذكر الفسق.
  قيل له: بل لذكر الفسق(١) فائدة تضاد مذهبك، وهو أنه تعالى لما(٢) قال: {وَلَا تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَٰدَةً أَبَداٗۖ} لو لم يقل مع هذا التأكيد: {وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْفَٰسِقُونَ ٤} كان يجوز أن يظن ظان أن شهادته غير مقبولة أبداً، وأن الاستثناء تضمن معنى الغفران فقط كما ذهبتم إليه، فلما قال: {وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْفَٰسِقُونَ ٤} نبهنا على أن المنع من قبول الشهادة لفسقه؛ ليعلم أن فسقه منع أن تقع شهادته مقبولة.
  فإن قيل: رد شهادته تعلق بجلده، وكما أن جلده لا يرتفع كذلك رد شهادته [لا يرتفع](٣).
  قيل له: هذا غير مسلم لكم، بل نقول: إن رد شهادته تعلق بفسقه، كما نقول
(١) في (أ، ج): لذكر الأمرين فائدة، وفيهما: لذكر الفسق. نسخة.
(٢) في (أ، ب، ج، د): كما.
(٣) ما بين المعقوفين من (أ، ج).