شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحدود

صفحة 217 - الجزء 5

  كان متهماً أنه أراد بها تصديق نفسه، وليس كذلك القاذف.

  فإن قيل: فالحاكم قد حكم بإبطال شهادة القاذف.

  قيل له: ليس الأمر كذلك؛ لأنه ليست هناك شهادة يبطلها بعينها، فأما إن كان الحاكم ممن يرى إبطال شهادة القاذف بعد التوبة فحكم عليه بذلك ففيه نظر، وليس هو منصوصاً عن أصحابنا، ولا يبعد عندي ألا تقبل شهادته، هذا إن صح الحكم به، والأقرب ألا يصح الحكم به؛ لأنه لا يصح أن تكون هناك دعوى مدع، وجملة الأمر فيه نظر.

  فإن قيل: فقد قال الله ø: {فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ اَ۬للَّهِ هُمُ اُ۬لْكَٰذِبُونَۖ ١٣}⁣[النور: ١٣] ومن ثبت عند الله من الكاذبين لم تقبل شهادته.

  قيل له: هذا معناه على أحد الوجهين:

  أحدهما: أنها نزلت في أصحاب الإفك على عائشة، وسياق الآية على ذلك يدل؛ لأنها في جملة القصة.

  والثاني: أنها لو كانت عامة فالمراد أنهم في الحكم عند الله كذلك إلا أن يتوبوا، ألا ترى أنه جائز أن يكون فيهم من هو صادق في الحقيقة. على أن من شهد الله عليه بالكذب إذا تاب قبلت شهادته؛ لأنه ø قال في قصة الذين باهلوا النبي ÷: {فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اَ۬للَّهِ عَلَي اَ۬لْكَٰذِبِينَۖ ٦٠}⁣[آل عمران: ٦١] يعني الذين باهلوا، ولو أسلموا وتابوا قبلت شهادتهم، وكذلك الذين قال الله فيهم: {وَأَكْثَرُهُمْ كَٰذِبُونَۖ ٢٢٢}⁣[الشعراء].

  والقياس فيه على وجوه: نقيسه على سائر الفسقة في جواز قبول شهادتهم إذا تابوا، ونقيسه على سائر المجلودين إذا تابوا، ونقيسه على النصراني إذا حد في القذف ثم أسلم وتاب.