شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحدود

صفحة 244 - الجزء 5

  فإن قيل: فظاهر قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}⁣[المائدة: ٣٨] يوجب القطع في القليل والكثير، فيخص منه ما ثبت تخصيصه، ويجري الباقي على عمومه.

  قيل له: قد أجمع الجميع وتظاهرت الآثار على أن القطع لا بد فيه من التقدير، فصارت الأخبار مع الإجماع كالنص إلى الآية⁣(⁣١)، فكأنه قال ø: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} في المقدار الذي يدل الشرع عليه، فوجب أن يطلب المقدار من غير الآية. على أن في العلماء من قال فيها: إنها مجملة لا يصح التعلق بظاهرها، وإن كان في ذلك عندنا نظرٌ؛ لأنها⁣(⁣٢) يحتج بعمومها على إيجاب القطع على سائر الأحوال، وإنما قلنا: إنه لا يصح معرفة التقدير منها.

  فإن قيل: فأنتم قلتم في الصاع بأقل ما قيل فيه، فهلا قلتم فيما يوجب القطع بذلك.

  قيل له: لأن الناس قد أجمعوا على أن إخراج الأقل واجبٌ، واختلفوا فيما وراء ذلك، فأخذنا بالإجماع، وهذه المسألة بالعكس من تلك؛ لأنهم أجمعوا على وجوب القطع في عشرة، واختلفوا فيما دون ذلك، فأخذنا بما اتفقوا عليه في هذه المسألة كما أخذنا في تلك، فاستوى الأمران.

  ومما يؤكد ما ذكرناه من أن عائشة لم تكن ترفع القطع في ربع دينار ما رواه الزهري عن عروة⁣(⁣٣) عن عائشة أن يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول الله ÷ في أدنى من ثمن المجن، وكان المجن له يومئذ ثمن، ولم يقطع في الشيء


(١) أي: المنضم إلى الآية. (من هامش هـ).

(٢) في (ب، د) ونسخة في (هـ): لأنه.

(٣) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٦/ ٢٥٢، ٢٥٣): وروى يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله ÷ قال: «لا تقطع اليد إلا في ثمن المجن ثلث دينار أو نصف دينار فصاعداً» وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن يد السارق لم تكن تقطع ... إلخ.