كتاب الحدود
  يؤخذ وأن لا يؤخذ إنما هو في الأدب والتعزير، فأما الطرد والإبعاد فهو في الحالين إذا لم يحدث حدثاً غير الإخافة والمحاولة لقطع الطريق، وهذا عنده معنى قوله: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ اَ۬لْأَرْضِۖ}.
  ومن الناس من رأى أن النفي هو الحبس، وبه قال أبو حنيفة. وظاهر الآية يقتضي قول يحيى #؛ لأن الحبس لا يسمى نفياً، والمحبوس لا يكون منفياً، وإنما النفي هو الطرد والتغريب في اللغة والشرع؛ لأن أحداً لم يتأول قوله: «البكر يجلد وينفى» على الحبس، وكل تأوله على التغريب والطرد، من قال: إنه من جملة الحد، أو قال: إنه ليس من جملته. ولا أعرف خلافاً بين العلماء أن قوله تعالى: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ اَ۬لْأَرْضِۖ} أنه لمن لم يحدث غير إخافة الطريق وحمل السلاح.
  فإنه ظفر به وقد أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، وبه قال العلماء، وروي عن علي #(١) وابن عباس(٢) وسعيد بن جبير(٣). على أن قطع اليد والرجل في الشرع لم يجعل حداً لشيء إلا لأخذ المال، فوجب أن يكون ذلك حد من أخذ المال منهم. ويجب أن يكون المأخوذ عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة؛ لقوله ÷: «لا قطع إلا في عشرة دراهم»(٤) وما جرى مجراه من الأخبار، ولما روي: لم تكن اليد تقطع على عهد رسول الله ÷ في الشيء التافه.
  وروى محمد بن منصور عن القاسم إيجاب القطع إذا كان المأخوذ ما يجب فيه القطع(٥). وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
(١) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٤٤).
(٢) مصنف عبدالرزاق (١٠/ ١٠٩) ومصنف ابن أبي شيبة (٦/ ٤).
(٣) مصنف عبدالرزاق (١٠/ ١٠٨) ومصنف ابن أبي شيبة (٦/ ٤).
(٤) أخرجه الطبراني في الأوسط (٧/ ١٥٥).
(٥) أمالي أحمد بن عيسى (٤/ ٢٢١).