شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في تحديد الدية وكيفية أخذها

صفحة 340 - الجزء 5

  ذلك فليس يخلو ما قاله علي # وعمر من ذلك من أحد وجوه ثلاثة: إما أن يكونا قالاه على سبيل المراضاة، وإما أن يكونا قالاه على سبيل التقويم، وإما أن يكونا قالاه توقيفاً⁣(⁣١)، ولا يجوز الأول؛ لأن ذلك لو كان لنقل وجعل شرطاً فيما ذكر؛ لأن خصمين وإن تراضيا به لم يلزم ذلك سائر الخصوم، فكان يجب أن يذكر التراضي على سبيل الشرط فيه، وإذا لم يذكر ذلك ولم ينقل بطل ذلك.

  ولا يجوز أن يكونا قالاه على سبيل التقويم لوجهين: أحدهما: أن الأشياء لا تقوم بالشاء والبقر والحلل.

  والثاني: أن التقويم يختلف بحسب الأزمان والأحوال، ولا يجب أن يحمل الناس إلى آخر الدهر على تقويم زمان مخصوص، ألا ترى أن كل من رأى التقويم في الصدقات يجعل التقويم بحسب الأزمان والأحوال؟ فصح بما بيناه أنهما لم يقولا ذلك على سبيل التقويم.

  فإن قيل في الوجه الأول: لهذه العلة قال أبو حنيفة: إن الدية ثلاث: الإبل، والدراهم، والدنانير؛ لأنها لا تقوم إلا بالدراهم والدنانير.

  قيل له: النقل ورد في الجميع على سواء، فإن بطل بعض ذلك بطل الباقي.

  فإذا ثبت ذلك ثبت أنهما قالاه على سبيل التوقيف. وأيضاً قد ثبت أن مثل هذه المقادير لا بد فيها من التوقيف إذا لم تثبت المراضاة، فصح ما قلناه.

  فإن قيل: روي عن الزهري أنه قال: إن الدية على عهد رسول الله ÷ مائة بعير، ثمن كل بعير أوقية، فلما كان في زمن عمر غلت الإبل ورخص الورق فجعلها اثني عشر ألفاً، ومن العين ألف دينار⁣(⁣٢).


(١) في (أ، ج): إما أن يكونا قالاه على سبيل المراضاة أو على سبيل التقويم أو من جهة التوقيف.

(٢) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (٩/ ٢٩١) والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ١٣٦) ولفظهما: كانت الدية على عهد رسول الله ÷ مائة بعير، لكل بعير أوقية، فذلك أربعة آلاف، فلما كان عمر غلت الإبل ورخص الورق فجعلها عمر وقية ونصفاً، ثم غلت الإبل ورخصت الورق أيضاً فجعلها عمر أوقيتين، فذلك ثمانية آلاف، ثم لم تزل الإبل تغلو وترخص الورق حتى جعلها اثني عشر ألفاً، أو ألف دينار.