باب القول فيما يلزم العاقلة
  قيل له: التناصر وجوبه عام بين المسلمين، فلا يجوز لعمر أن يخصص به قوماً دون قوم فيكون قد رفع الواجب عن بعض من أوجبه الله عليه؛ لأن المسلمين يلزم جميعهم نصرة بعضهم لبعض، والعقل لم يوضع على هذا؛ لأنه لو كان على هذا للزم العقل جميع المسلمين، وإنما وضع على نصرة القبائل التي كانت في الإسلام وقبل الإسلام، فوجب صحة ما قلنا من أنهم هم العصبة والعشيرة، يبين ذلك أن الذمي إذا كانت له عاقلة من أهل الذمة تحملوا عنه للتناصر الذي بينهم لا لتناصر الإسلام.
مسألة: [في أن الدية لا تحمل على البطن الأدنى إلى الجاني إذا لم يحتملها]
  قال: ولا ينبغي أن تحمل الدية على البطن الأدنى إلى الجاني إذا لم يحتملها، بل يضم أقرب البطون إليه كذلك إلى أن يكون الذي يلزم كل واحد منهم في كل سنة كسراً كسراً(١).
  وهذه الجملة لا خلاف فيها؛ لأنها لو اقتصر بها على البطن الأدنى لثقل ما يلزمهم فأجحف بهم(٢)، فوجب أن يضم إليهم سواهم أبداً إلى أن يكون ما يلزم كل واحد منهم شيئاً قليلاً، ويحيى بن الحسين # لم يحد ما يلزم كل واحد منهم أكثر من قوله: كسراً كسراً، والأقرب عندي - والله أعلم - أنه يجب أن يكون الذي يلزم كل واحد منهم في ثلاث سنين أقل من عشرة دراهم.
  ووجهه: ما ثبت من وجوب القطع في عشرة دراهم، وما روي أن اليد لم تكن تقطع في التافه على عهد رسول الله ÷، فثبت أن ما دون العشرة تافه لامتناع تعلق القطع به، فلذلك قلنا: إن الواجب أن يكون ما يلزم كل واحد منهم دون عشرة دراهم، وذلك يكون من تسعة إلى ثلاثة؛ لأن ثلاثة أقل ما قيل فيه، والله أعلم.
(١) الأحكام (٢/ ٢١٩) والمنتخب (٥٨٦).
(٢) «فأجحف بهم» ساقط من (ب، د).