كتاب الديات
  وتغرمنا؟ قال: (نعم)، وفي بعضها: قال: (نعم، فبم يبطل دم هذا؟) وما فعله عمر من ذلك كان مشهوراً بين الصحابة فلم ينكره منكرٌ، فكان ذلك إجماعاً.
  وأما حديث سهل بن أبي حثمة الذي اعتمده الشافعي في القسامة فهو مما لا يجوز الاعتماد عليه لما نذكره، وذلك ما(١) روي أن قتيلاً وجد في بعض قُلُب(٢) اليهود بخيبر، فجاء أولياء الدم إلى رسول الله ÷، وهما(٣) حُوَيِّصَة ومُحَيِّصَة، فذهب محيصة ليتكلم، فقال النبي ÷: «كَبِّر كَبِّر» يريد السن، فتكلم حويصة، ثم محيصة، فقال رسول الله ÷: «إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب» فقالوا: ما قتلناه، فقال ÷ لأولياء الدم: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» فقالوا: لا نحلف على ما لا نعلم، فقال: «تبرئكم اليهود بخمسين يميناً» فقالوا: إنهم ليسوا مسلمين، فوداه النبي ÷ من عنده(٤).
  فاستدلوا بهذا الخبر أن يبدأ بيمين المدعين؛ لأن النبي ÷ قال لهم: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» وهذا لا دليل فيه؛ لأنه استفهام، والاستفهام بظاهره لا يفيد حكماً ولا أمراً، بل يحتمل أن يكون للإنكار، كما قال الله ø: {۞قُلْ أَٰئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالذِے خَلَقَ اَ۬لْأَرْضَ فِے يَوْمَيْنِ}[فصلت: ٩] وقوله: {أَٰئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اَ۬للَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَيٰ}[الأنعام: ١٩] وقوله: {أَٰ۟لَٰهٞ مَّعَ اَ۬للَّهِۖ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَۖ ٦٣}[النمل: ٦١] وظاهر الاستفهام هو طلب ما عند المستفهم عنه(٥)، وليس فيه مع كثرةِ وجوهِ ما يحتمله أمرٌ ولا حكم، فكيف يصح الاستدلال بذلك على أن أولياء الدم يحلفون؟
(١) في (أ، ب، ج، هـ): لما.
(٢) القلب: جمع قليب، قال في القاموس (١٢٧): القليب: البئر، أو العادية القديمة منها، ويؤنث، الجمع: أقلبة وقُلْب وقُلُب.
(٣) في (أ، ب، ج، د): وهو.
(٤) أخرجه البخاري (٩/ ٧٥) ومسلم (٣/ ١٢٩٤، ١٢٩٥).
(٥) في (هـ): هو طلب ما عند المستفهم من المستفهم عنه.