باب القول في القسامة
  بينهما فوجدت إحداهما أقرب، فألقاه على أقربهما، ولم يخص من بينهم الملاك، بل عم الملاك وغيرهم، وكذلك ما روي عن علي # في قتيل وجد في محلة فقضى على أهل المحلة فعم ولم يخص، وهكذا فعل عمر، فبان أن الاعتبار بالسكنى والحضور دون التملك(١). وأيضاً لا خلاف أن داراً فيها ساكن مكتر لو تنازع متاعاً فيها هو ومالكها أن الساكن أولى بها، وأن اليد يده، فكذلك إذا وجد قتيل فيها فيجب أن يكون الساكن أولى أن يجري عليه حكمه، فبان أن كونه ساكناً أقوى في هذا الباب من كونه مالكاً. وأيضاً قد علمنا أن القسامة موضوعة على الظنة والنصرة، وحال الظنة يحصل للساكن دون المالك، وكذلك الساكن أولى بالنصرة؛ لأن التصرف له.
  فإن قيل: قد علمنا أن الدار لو كانت في يد امرأة وزوجها كانت القسامة على الزوج، وليس كذلك لو وجد فيها متاع فإنه يكون بينهما، فبان أنه لا اعتبار بالسكنى.
  قيل له: ليست العلة ما قدرت، بل العلة أنها ليست من أهل القسامة، ألا ترى أنها لو كانت مالكة أيضاً لم تكن من أهل القسامة؟ ونظير هذا أن يكون في الدار آلة لا تصلح إلا للرجال فإنها تكون للرجل دونها؛ لاختصاصه بها دونها، فكذلك القسامة.
  على أنا قد علمنا أن القسامة والدية لا يجريان مجرى الخراج الذي يلزم في الأرض، فلا وجه لاعتبار الملك، وإنما يلزمان بحصول الظنة ووجوب النصرة، فيجب أن يتعلق الحكم بالسكان.
  على أن أبا حنيفة يعتبر أن يكون من تلزمه من أرباب الخطة دون المشترين، وهذا أبعد؛ لأن كونه رب الخطة لا تأثير له في هذا الباب ولا في شيء من
(١) في (هـ): الملك.