شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما تضمن به النفس وغيرها وما لا تضمن

صفحة 388 - الجزء 5

  البئر واقع لم يضمن؛ لأن العثار بالحجر لم يكن فعله، ولا الوقوع في البئر، ولم يكن هو متعدياً في سببهما الذي هو وضع الحجر وحفر البئر؛ لأن الإنسان إنما يضمن فعله إذا تعدى فيه، أو يضمن فعل غيره إذا تعدى في سببه، ولسنا نريد بالسبب ما يريده المتكلم؛ لأنه لا يجوز أن يكون المسبَّب فعلاً لغير فاعل السبب إذا أريد به التحقيق، وإنما نستعمل ذكر السبب على طريقة الفقهاء.

  فإن قيل: أليس الإنسان قد يرمي صيداً فيصيب إنساناً فيضمنه وهو غير متعدٍ في الرمي، فما الفرق بين هذا وبين ما ذكرتم؟

  قيل له الفرق بينهما أن الإصابة فعله كما أن الرمي فعله، فهو إنما يضمن الإصابة التي هي فعله وهو فيها متعدٍ، وليس كذلك الإحراق؛ لأنه ليس بفعل له، وإنما فعله هو وضع النار في الزرع كما بيناه.

  فإن تعدى في وضع⁣(⁣١) النار بأن وضعها في زرع غيره ضمن جميع ما احترق بها؛ لأنه متعدٍ في السبب، كما أن من وضع حجراً أو حفر بئراً في شارع من شوارع المسلمين ضمن ما يحدث من العثار به والوقوع فيها.

مسألة: [في إعنات الحجام والمتطبب والمجبر]

  قال: وإذا أعنت المتطبب والحجام والمجبر ضمنوا إذا لم يكونوا تبرؤوا، وإن كانوا تبرؤوا لم يضمنوا⁣(⁣٢) إلا إن لم يكونوا من أهل البصر فيما اقتحموه⁣(⁣٣).

  وذلك أن تلك الجنايات جنايات أيديهم فيجب أن يضمنوها؛ لأن أفعالهم مضمونة عليهم⁣(⁣٤) إلا أن يكونوا قد تبرؤوا، وذلك أن الإبراء منها يصح، ألا ترى أن من شج غيره يصح منه إبراؤه من الشج ومما يتولد عنه؟ ولأن إبراءهم


(١) في (ب): موضع.

(٢) في (هـ): ولم يضمنوا إن كانوا تبرأوا.

(٣) الأحكام (٢/ ٢٣٤) والمنتخب (٤٧١).

(٤) «عليهم» ساقط من (أ، ج).