باب القول فيما تضمن به النفس وغيرها وما لا تضمن
  رجعوا إليه. على أنه إن صح فليس في ظاهره ما يدل على موضع الخلاف؛ لأن ظاهره إلزام الدية المستقاد، وهو الذي تولى أخذ القود، والخلاف في المستقاد له - وهو المستحق للقود - أنه يلزمه الدية أم لا، والمستوفي قد يكون أجنبياً يستوفيه بإذن المستحق وإذن الإمام، وإذا ثبت ما قلنا احتيج له إلى تأويل، فكان تأويله - والله أعلم - أن المستوفي إن كان منه خطأ في استيفاء أكثر مما وجب فمات فعليه الدية.
  فإن قيل: الجراحات معتبرة بما تؤول إليه، ويسقط معها حكم الابتداء؛ بدلالة أنها إذا سرت إلى النفس وجب القود.
  قيل له: هذا يكون إذا كانت الجراحة مضمونة، فأما إذا كانت غير مضمونة فلا تعتبر فيها السراية؛ بدلالة سائر ما قدمناه من قطع يد السارق أو جرح الباغي وما أشبهه.
  فإن قيل: اليد المقطوعة مأخوذة على وجه البدل من يد المقتص له، والأبدال مضمونة(١)، فوجب أن تكون يده مضمونة، وإذا كانت مضمونة كانت السراية أيضاً مضمونة.
  قيل له: قد بينا أن قولكم: إن يده مضمونة عبارة فارغة. على أن الأبدال المضمونة التي تؤخذ على وجه معاوضة الانتفاع، واليد وإن كانت كالبدل فليست تؤخذ للانتفاع؛ لأن المقتص له لا ينتفع به، وإنما تؤخذ على سبيل الردع والزجر كما قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِے اِ۬لْقِصَاصِ حَيَوٰةٞ}[البقرة: ١٧٩] وما كان كذلك لم يجب أن تكون مضمونة، ولم تجر مجرى الأبدال التي تجري(٢) للمعاوضات.
(١) لفظ شرح مختصر الطحاوي (٥/ ٤٥٨، ٤٥٩): وفي الأصول أن الأشياء المأخوذة على وجه الأبدال تكون مضمونة على آخذيها، كالمقبوض على وجه البيع والقرض وغيرهما.
(٢) في (هـ): تكون. وفيها: تجري. نسخة.