باب القول في القصاص
  أن يستدل عليه بقوله ø: {۞مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَۖ كَتَبْنَا عَلَيٰ بَنِے إِسْرَآءِيلَ} الآية [المائدة: ٣٢] فكما أن خمسة لو اجتمعوا على قتل خمسة لزم كل واحد منهم دية فكذلك لو اجتمعوا على قتل واحد لزم كل واحدٍ منهم دية على ما رتبناه وبيناه في الاقتصاص من الجماعة لواحد، وأما في الخطأ فلا خلاف أن الدية الواحدة هي الواجبة يشتركون فيها.
مسألة: [في أن ولي الدم مخير بين القصاص والدية والمصالحة في جناية العمد]
  قال: وكل من قتل أو جرح عمداً فولي الدم بالخيار: إن شاء طالب بالقود، وإن شاء طالب بالدية، وإن تصالحا على شيء دون الدية أو فوقها أو تراضيا به كان ذلك جائزاً(١).
  ما ذهبنا إليه في الخيار به قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: ليس لولي الدم إلا القصاص أو العفو، ولا سبيل له إلى الدية إلا برضا القاتل.
  ورتب أصحاب الشافعي قوله على وجهين: أحدهما: ما ذكرناه، والثاني: أن الواجب هو القود، ثم ينتقل إلى المال بالعفو عن القود(٢) واختيار المال.
  والدليل على صحة ما ذهبنا إليه: قول النبي ÷: «في النفس مائة من الإبل» والألف واللام إذا لم يكونا للعهد كانا للجنس، فكأنه قال: في كل نفس مائة من الإبل، وذلك يتناول العمد والخطأ، ووجوب القود قد ثبت بالإجماع، وبقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لْقِصَاصُ فِے اِ۬لْقَتْلَيۖ}[البقرة: ١٧٨] وقوله: {اَ۬لنَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥] وما روي عن النبي ÷: «العمد قود»، وكان الواجب أن يثبتا جميعاً على طريق الجمع، لكن أجمع المسلمون على خلاف ذلك، فأثبتناهما على طريق التخيير، ويدل على ذلك ما روي عنه ÷: «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين: إن أحبوا أخذوا الدية، وإن أحبوا قتلوا» وهذا نص فيما
(١) المنتخب (٥٨٦).
(٢) «عن القود» ساقط من (هـ).