باب القول في نواقض الوضوء
  ذلك، واستحييت أن أسأله؛ لأن ابنته عندي، فسأله فقال: «إن كل فحل يمذي، فإذا كان المني ففيه الغسل، وإذا كان المذي ففيه الوضوء»(١).
  ويبين صحة ما ذهبنا إليه أيضاً: أن مجرى البول لا يخلو من أجزاء البول، ولا بد أن يخرج مع المذي أجزاء من البول، وذلك لا محالة يقتضي انتقاض الطهارة. وبهذه العلة يستدل على مالك في أن الدود والدم إذا خرجا من السبيلين نقضا الطهارة؛ لأنهما لا يخرجان إلا مع أجزاء من الرطوبة التي لا خلاف في أنها تنقض الطهارة، وهذه الدلالة حجتنا على الشافعي في تنجيس المني.
  وأما ما ترويه الإمامية عن النبي ÷: «كل فحل مذاء فليس عليه فيه وضوء» - ففيه نظر؛ لأنا نستضعف أخبار الإمامية ولا نرى قبولها؛ لعلل ليس هذا موضع ذكرها، على أن الخبر لو صح لكان محمولاً على أنه لو غلب لم يجب تجديد الطهارة له، كالاستحاضة وسلس البول وسائر الأحداث اللازمة.
  ويدل على فساد ما ذهب إليه مالك أيضاً: ما رواه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث، عن العَلَاء بن المُسيب، عن الحكم، عن أبي جعفر، أن النبي ÷ أمر المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها أن تغتسل وتتوضأ لكل صلاة(٢) [وتصلي].
  والأخبار في هذا كثيرة، فصرح ÷ بإيجاب الوضوء من الاستحاضة وإن كانت غير معتادة، على أن الدم عندنا ينقض الطهارة من أي موضع سال، وسنستقصي الكلام فيه بعد هذه المسألة، وذلك يأتي على مذهب مالك بالإفساد.
(١) شرح معاني الآثار (١/ ٤٦).
(٢) مصنف ابن أبي شيبة (١/ ١١٨).