شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما تجوز فيه الوصية وما لا تجوز

صفحة 447 - الجزء 5

  وعثمان البتي، وعن مالك: أنهم ليس لهم الرجوع إن كان استأذنهم في حال المرض، وإن كان استأذنهم في حال الصحة فلهم الرجوع، وروي عنه أنه فصل بين وارث هو في عياله ونفقته وبين وارث ليس في عياله ونفقته، فجعل لمن هو في عياله الرجوع، ولم يجعله للبائن عنه.

  وقال يحيى بن الحسين # في الفنون⁣(⁣١): لهم الرجوع بعد موت الموصي.

  وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وبه أقول.

  ووجهه: أن حق الورثة لم يستقر بعد، وما يمنع المريض منه إنما يمنع للمآل، ألا ترى أنه إن تصرف في ماله أي تصرف كان ثم عوفي كان ذلك ممضياً ولم يجب رده إلى الورثة؟ فأشبه الشفيع يسلم الشفعة قبل وقوع البيع في أن له الرجوع فيما سلم بعد البيع؛ لأنه سلم حقاً لم يستقر له بعد، فوجب أن يكون له الرجوع بعد الاستقرار، وكذلك البراءة من الرد بالعيب لا تؤثر قبل البيع، وكذلك إبطال خيار الثلاث قبل البيع لا يصح. ويشهد لقياسنا الأمة تختار زوجها قبل العتق، ألا ترى أن لها أن ترجع عن ذلك وتختار نفسها بعد العتق؛ لأن الذي كان منها كان إبطال حق لها لم يستقر؟ فكذلك ما ذهبنا إليه.

  فإن قيل: لولا استقرار حق الورثة لم يمنع المريض من أن يوصي بأكثر من الثلث.

  قيل له: قد بينا أن ذلك المنع إنما هو للمآل، ألا ترى إلى ما روي في الشفعة: «ولا يبيع الشريك قبل أن يؤذن شريكه»؟ فمنع من البيع قبل أن يعلمه، ولكن لما كان ذلك للمآل لم يؤثر تسليم الشفعة قبل البيع، كذلك مسألتنا.

  على أنا قد علمنا أن الموصي أولى بالمال من الوارث، ألا ترى أنه يتصرف فيه، وهو مالك له في الحقيقة، والوارث غير مالك، ولا له شيء من التصرف، فإذا


(١) الفنون (٦٧٣).