كتاب الفرائض
  وروي عن سعد بن مالك قال: مرضت فأتاني رسول الله ÷ يعودني، فقلت: يا رسول الله، إن لي مالاً كثيراً، وليس يرثني إلا ابنتي، فأوصي بمالي كله؟ وفي بعض الروايات: بثلثي مالي؟ قال: «لا» قلت: فالشطر؟ قال: «لا» قلت: فالثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس»، فدل ذلك على أنه ÷ منع ما زاد على الثلث لحق الوارث، ولا وارث هناك سوى الابنة، فدل على أن الابنة تحوز ما زاد على الثلث، وذلك لا يكون إلا على جهة الرد.
  ومن طريق النظر أجمعوا على أن العصبة يحوزون المال دون بيت المال إذا لم يكن ذوو السهام، فكذلك ذوو الأرحام، والعلة أن بينهم وبين الميت نسباً(١)، فكل من كان بينه وبين الميت نسب فيجب أن يكون وارثاً إذا لم يكن هناك ما يخرجه من كونه وارثاً، ككونه عبداً أو كافراً أو قاتلاً، وهذا يستوي فيه العصبة وذوو الأرحام، وإن شئت قلت: هو ذو رحم للميت، فيجب أن يكون أولى بالمال من بيت المال؛ دليله العصبة.
  ويؤكد هذا القياس: أن سائر المسلمين يستحقون إرثه للإسلام، وذوو الأرحام قد شاركوهم في الإسلام واستبدوا بمزية الرحم، فصاروا أولى، كالأخ للأب والأم مع الأخ للأب، ألا ترى أنهما لما اشتركا في الإخوة من الأب واستبد أحدهما برحم الأم كان أولى بالميراث؟ وأيضاً وجدنا الإخوة من الأم والجدة أم الأم يدلون بالرحم دون التعصيب، وصاروا بذلك من أهل الميراث، فوجب أن يكون ذلك حكم سائر ذوي الأرحام.
  ويؤكد ذلك أجمع قوله ø: {وَأُوْلُواْ اُ۬لْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَيٰ بِبَعْضٖ}[الأحزاب: ٦]، وهذا يعترض قول من يقول: لم أجد لهم ذكراً في الكتاب؛ لأن الآية قد
(١) في المخطوطات: نسب. والمثبت مظنن به في (د).