كتاب الفرائض
  اليقين بحصول الإسلام، بل احتاط، فصار ذلك أصلاً في مثل هذه الأحوال في باب الاحتياط؛ فلذلك قلنا في الغرقى: إنه يحتاط في توريث بعضهم من بعض للالتباس الواقع. وأيضاً نفرض المسألة في أخوين مات أحدهما في أول الشهر والثاني في آخره، وعرفنا ذلك على القطع، والتبس أيهما الميت أولاً وأيهما الميت ثانياً، فنقول: يجب أن يورث كل واحد منهما من صاحبه؛ لأنا لو لم نفعل ذلك كنا قد أبطلنا حقاً ثابتاً من الميراث، وروي عن رسول الله ÷ أنه قال: «من أبطل ميراثاً فرضه الله أبطل الله ميراثه من الجنة»(١).
  ولا يمكن الخروج من عهدة هذا الحديث إلا بتوريث بعضهم من بعض، وإذا ثبت ذلك فيما ذكرنا ثبت في الغرقى، إذ لم يفصل أحد بينهما.
  فإن قيل: كيف يكون الواحد في حالة واحدة وارثاً موروثاً؟
  قيل له: لا يمتنع أن يكون ذلك حكماً، كما أنا نعلم أنه لا يجوز أن يكون الواحد مسلماً كافراً في حالة واحدة، فإن جعلهم النبي ÷ كذلك حكماً للالتباس فكذلك الغرقى. وأيضاً لا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة وأصحابه فيمن أعتق أحد عبديه ومات ولم يبين الحر منهما أن العتق يقع عليهما، ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته، ولا وجه إلا الالتباس؛ لأن المعتق لا سعاية عليه، والذي لم يعتق لا يجوز أن يجعل حراً بالسعاية، وإنما جاز ذلك للالتباس، وكذلك إذا أبان إحدى نسائه ومات يجعل الربع أو الثمن بينهن للالتباس، وإن كان المعلوم أن التي أبينت لا حق لها في الإرث، وكذلك الخنثى يتحرى فيها وإن اختلف في وجه التحري، على أنا قد بينا أن الصحيح ما ذهبنا إليه من أن له نصف نصيب الذكر ونصف نصيب الأنثى.
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٦/ ٢٤٠).