شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في أدب القاضي

صفحة 124 - الجزء 6

  مما يجب ولا يجوز فيه تأخير، إلا أن الغريب أولى بذلك لئلا يعظم ضرره، فإن كان الغريب ممن لا ضرر عليه في المقام لا في أهله ولا حيث هو سوَّى بينه وبين القاطن بالتقديم والتأخير.

مسألة: [في أنه يستحب للقاضي أن يحرض على الصلح ما لم يبن له الحق]

  قال: ويستحب للقاضي أن يحرض على الصلح بين الناس ما لم يبن له الحق، فإذا بان الحق وجب إمضاؤه⁣(⁣١).

  وذلك أن الله تعالى ندب إلى الصلح، فقال ø: {وَالصُّلْحُ خَيْرٞۖ وَأُحْضِرَتِ اِ۬لْأَنفُسُ اُ۬لشُّحَّۖ}⁣[النساء: ١٢٧]، وقال تعالى: {إِنْ يُّرِيدَا إِصْلَٰحاٗ يُوَفِّقِ اِ۬للَّهُ بَيْنَهُمَاۖ}⁣[النساء: ٣٥]، وقال: {۞لَّا خَيْرَ فِے كَثِيرٖ مِّن نَّجْوَيٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحِۢ بَيْنَ اَ۬لنَّاسِۖ}⁣[النساء: ١١٣]، ولا خلاف في جواز الصلح بين المسلمين⁣(⁣٢).

  وروي أن كعب بن مالك تقاضى ديناً كان له على إنسان في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها⁣(⁣٣) النبي ÷ وهو في بيته، فخرج إليهما فقال: «يا كعب، فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار إليه بيده: أن ضع⁣(⁣٤) الشطر من دينك، قال: قد فعلت يا رسول الله»⁣(⁣٥). وهذا إنما رآه للحاكم ما دام الأمر ملتبساً وما لم يصح الحق ولم يبن؛ لأنه بعد أن يتبين⁣(⁣٦) الحق ويظهر ويطلب الخصم إمضاء الحكم لا يحل تأخيره بوجه من الوجوه.

  وإطلاقه القول بأنه إذا بان له الحق وجب عليه إمضاؤه من غير أن يشترط أن


(١) الأحكام (٢/ ٣٥٥).

(٢) في (ب، د، هـ): بين الناس.

(٣) في (هـ): سمعهما.

(٤) في (أ، ب، ج، د): فأشار إليه بيده أتضع. وفي (هـ): أن يضع. والمثبت هو ما في كتب الحديث.

(٥) أخرجه البخاري (١/ ١٠١) ومسلم (٣/ ١١٩٢).

(٦) في (أ، ج): يبين.