شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الطهارة

صفحة 297 - الجزء 1

  يكون متأخراً، فيجب أن يكون ناسخاً.

  فإن قيل: قوله: «هل هو إلا بَضعة⁣(⁣١) منك؟» يدل على أنه متقدم؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكان للسائل أن يقول: قد كان الوضوء واجباً من مسه وهو كبضعة مني.

  قيل له: إنه ÷ نبّه على علّة الحكم فيه في ذلك الوقت، ولا يمتنع أن يكون ذلك يصحّ في وقت ولا يصح في وقت إذا منع من صحتها الشرع؛ ألا ترى أن علة الربا لم تكن علة للتحريم قبل تحريم الربا، وهي كانت على ما هي عليه الآن؟ فكذلك ما ذكرناه، وهذا السؤال مأخوذ ممن قال بنفي القياس، وهو ظاهر الفساد.

  وأما وجه التأويل فيها فهو أن تحمل على غسل اليد، فقد روي عن بعض الصحابة، روى مصعب بن سعد بن أبي وقاص أن أباه أمره بذلك، وذلك كما تأول عامة العلماء ما روي في الوضوء من أكل ما مسته النار على غسل اليد، وهذا لا يمتنع أن يؤمر الإنسان به على سبيل⁣(⁣٢) الاحتياط؛ لأن ذلك الموضع ربما تصيبه بلة من النجاسة، كما روي: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده».

  وأما وجه التعارض فلأنه روي وجوب الوضوء من مس الذكر، وروي أن لا وضوء منه، فهذا ظاهر في التعارض، فإذا تعارضت سقطت ووجب الرجوع إلى الأصل في أنه لا وضوء منه، كأنه⁣(⁣٣) لم يرو فيه شيء.

  فإن قيل: خبر إيجاب الوضوء أولى؛ لكثرة رواته.

  قيل له: بل خبر نفيه أولى؛ لسلامة سنده، ولقول علية الصحابة بموجبه،


(١) البضعة بفتح الباء: القطعة من اللحم.

(٢) في (ب): وجه.

(٣) في (د): فكأنه.