كتاب القضاء والأحكام
  [والثاني: أنا قد اشترطنا الإمكان في علتنا](١) وإذا كان الخصم حاضر البلد أمكن إحضاره والاستماع منه، وإذا كان غائباً لم يمكن ذلك.
  يكشف قياسنا أنه لم يفت إلا إنكار المدعى عليه، وليس ذلك مما يؤثر في صحة الدعوى أو البينة، فبان أن الحكم يتعلق(٢) بصحة الدعوى والبينة، فمتى صحتا وجب الحكم. وأيضاً لو صح الإنكار ولم تصح الدعوى والبينة لم يجب الحكم، ومتى صحتا وجب الحكم، فبان أن وجوب الحكم تعلق بصحتهما، فوجب القضاء بهما متى حصلتا وصحتا حضر المدعى عليه أو غاب.
  فإن قيل لمن ذهب إلى(٣) أنه يحكم على حاضر البلد قبل أن يستحضر لهذه العلة: ما يكون الحكم الذي تقتضيه العلة أيكون هو الواجب؟ وذلك لا يصح؛ لأنه لا خلاف أن الأولى أن يستحضره، فكيف يكون واجباً ما يكون تركه أولى؟ أو يكون الحكم إذا وقع نافذاً؟ فهذا لا ننكره؛ لأنا لا نمتنع من وقوع الحكم ونفوذه على الغائب إذا قضاه الحاكم وأداه اجتهاده إليه.
  قيل له: حكم العلة هو الوجوب، وفي كثير من الواجب ما يكون تأخره أولى، ألا ترى أن الحكام يحتاطون في أول المجلس إذا تقررت الدعوى وحصل الإنكار وقامت البينة وعدلت في أن يؤخروا الحكم مجلساً بعد مجلس؛ ليورد المدعى عليه حجة إن كانت له، ويرون تأخير إبرام الحكم احتياطاً وأولى وإن كان موجب الإمضاء قد حصل في أول المجلس، ومن مذهبنا ومذهب أكثر العلماء أن الصلاة تجب في أول الوقت، ومع ذلك لا أحفظ خلافاً في العشاء الآخرة أن تأخيرها أفضل، ولهذا نظائر كثيرة، فقد بان أنه لا يمتنع في كثير(٤)
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، د).
(٢) في (ب، د، هـ): تعلق.
(٣) «إلى» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٤) في (ج): لا يمنع كثير.