شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب القضاء والأحكام

صفحة 139 - الجزء 6

  من الواجبات أن يكون تأخيره أولى.

  ويدل على ذلك أيضاً: أن الرواية المشهورة عن أبي حنيفة أن المصمم على السكوت إذا حضر يقضى عليه، وتسمع عليه الدعوى والبينة، فكذلك⁣(⁣١) الغائب؛ للعلة التي قدمناها، أو لتعذر الوقوف على نص ما عنده؛ لأنه لا فرق بين أن يستمر على السكوت وبين أن يغيب في أن الحاكم يتعذر عليه الوقوف على ما في نفسه من الإقرار بما يدعى عليه أو الإنكار له.

  فإن قيل: إنهما - أعني الغائب والساكت - افترقا في جانب اليمين؛ لأن الساكت في حكم الناكل، فتردون اليمين على المدعي وتحكمون له⁣(⁣٢)، وليس كذلك الغائب، فوجب أن يفترقا في جانب البينة حتى تسمع على الساكت ولا تسمع على الغائب.

  قيل له: أما اليمين فلا تلزم المدعي إذا ادعى إلا إذا طلب المدعى عليه ردها على المدعي، فيستوي في ذلك الغائب والساكت، وأما حكم النكول فلا يصح إلزامه الغائب؛ لأن النكول معنى لا يصح مع الغيبة كما لا يصح الإقرار ولا الإنكار، فلذلك افترق الحال بين الغائب والساكت، وسماع البينة يصح على الغائب كما يصح على الساكت، فلم يجب أن يفترق⁣(⁣٣) فيه حالاهما⁣(⁣٤). وأيضاً لا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أن الغائب يقضي عليه الحاكم بعلمه، فكذلك يقضي عليه بالبينة؛ لأنها أحد الموجبين لتنفيذ الأحكام، فإذا حصلت وجب تنفيذ الحكم بها، على أن البينة أقوى من العلم؛ لأنه لا خلاف أن البينة يقضى بها، وقد اختلف في العلم هل يقضى به، ولأن العلم يقضى به قياساً على البينة، فإذا جاز


(١) في (أ، ب، ج، د): وكذلك.

(٢) في (أ، ب، ج، د): به.

(٣) في (د): تفرق.

(٤) في (أ، ب، ج، د): حالاتهما.