كتاب القضاء والأحكام
  للحاكم(١) القضاء على الغائب بالعلم كان جواز القضاء عليه بالبينة أولى؛ لما للبينة من القوة والمزية، وهذا مما يمكن الاعتراض به على جميع ما يستدلون به من الأثر والنظر.
  ويدل على ذلك أن من مذهب أبي حنيفة وأصحابه أن رجلاً لو ادعى على آخر أنه ضمن له على آخر مالاً معلوماً بإذنه، والمضمون عنه غائب - سمع الحاكم البينة وحكم بها على الضامن والمضمون عنه وإن كان غائباً، فكذلك سائر ما اختلفنا فيه، والعلة أنه حكم بمال على الغائب بالدعوى المقررة بالبينة. على أنه يقال لهم: الغائب إذا حضر إما أن يقر فيزيد الحكم تأكيداً، أو ينكر فمن شأن البينة أن تبطل الإنكار المجرد، أو ينكر ويدلي بالحجة(٢) فالحجة بعد الحكم مسموعة، فلا وجه لتأخير الحكم.
  فإن قيل: يجب أن يحتاط للمدعى عليه بالكف عن الحكم حتى تسمع حجته؛ لأنه لو أورد الحجة بعد الحكم وخروج المال عنه لا يبعد أن يتلف المال أو يغيب المدعي أو يفلس(٣) فيتوي ماله.
  قيل له مثل هذا في جنبة المدعي؛ لأنه لا يأمن أن حقه إن تأخر ربما يستهلك مال المدعى عليه(٤) ويفلس فيتوي، وجنبة المدعي أولى بالاحتياط؛ لأنه قد أقام البينة على ثبوت حقه، فصار هذا الذي ذكروه وجهاً يقوي قولنا.
  فإن قيل: لو كان حاضر المجلس لم يحكم عليه حتى يرجع إليه ويسأل، فكذلك(٥) إذا كان غائباً.
(١) في (أ، ب، ج، د): فإذا جاز القضاء على الغائب للحاكم.
(٢) في (هـ): بحجة.
(٣) «أو يفلس» ساقط من (أ، ب، ج، د).
(٤) في (هـ): ربما يستهلكه المدعى عليه.
(٥) في (أ، ب، ج، د): وكذلك.