باب القول في الدعوى والبينات
مسألة: [في بينة المدعي بعد تحليف المنكر]
  قال: وإذا حلف المنكر ثم أتى المدعي بالبينة سمعت بينته بعد يمين المنكر وحكم بها(١).
  وبه قال زيد بن علي @، وتأول به ما رواه عن أبيه، عن جده، عن علي $ أنه قال: (البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة)(٢)، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي. وقال ابن أبي ليلى: لا تقبل البينة بعد اليمين. وقال مالك: إن استحلفه ولا علم له بالبينة ثم علم أن له بينة قبلها وبطلت اليمين، وإن كان يعلم بينته(٣) واستحلفه ورضي باليمين وترك البينة فلا حق له.
  وحجة قولنا: قوله ÷: «البينة على المدعي»، فمن أوردها استحق بها، سواء أقامها قبل اليمين أو بعدها. وأيضاً قد ثبت أن اليمين والبينة لو اجتمعتا كانت البينة أولى ولم يكن لليمين حكم، كذلك إن تفرقا، كالرجل يقيم البينة أنه وارث هذه الدار عن أبيه، والآخر يقيم البينة أنه اشتراها من أبيه - كانت بينة الشراء أولى وإن افترقتا؛ لأنه أولى إذا اجتمعتا، وهكذا اليد والبينة لما كانت البينة أولى، فاستوى فيه الاجتماع والافتراق. وأيضاً لو أقر المدعى عليه بعد اليمين (بطل حكم يمينه، كذلك إذا قام المدعي البينة، والعلة أن كل واحد منهما حجة للمدعي) تثبت حقه، فيجب ألا يكون لليمين معه حكم.
  فإن قيل: فإن النبي ÷ قال: «شاهداك أو يمينه»، و «ليس لك إلا ذلك».
  قيل له: معناه: يمينه إن لم تقم الشاهدين؛ إذ لا خلاف أنه ÷ لم يرد به التخيير.
  فإن قيل: روي: «من حلف يميناً كاذبة ليقتطع بها مال مسلم لقي الله وهو عليه غضبان»(٤)، وهذا يدل على أنه يقتطع المال بيمنيه.
(١) المنتخب (٤٩٢، ٤٩٣).
(٢) مجموع الإمام زيد بن علي @ (٢٠٥، ٢٠٦).
(٣) في (أ، ب، ج، د): بينة.
(٤) هو بعض من حديث الأشعث بن قيس المتقدم.