باب القول في الدعوى والبينات
  قيل له: لأنه(١) لا خلاف بين أهل اللغة ولا في الشريعة(٢) أن قوله: عشرة إلا درهماً وقوله: تسعة عبارتان تفيدان معنى واحداً، وهو التسعة، فلم يجب أن يلزمه غير التسعة، وقوله: علي مال مؤجل كلامان منفصلان حكماً وإن اتصلا في اللفظ، كما قلناه في الدار المؤجرة والمرهونة.
  فإن قيل: هلا قلتم: إنه كقوله: له علي عشرة زيوف؟
  قيل له: لأن ذلك صفة للمال، والأجل ليس صفة للمال.
  فإن سألوا عمن أقر بمال الكفالة إلى أجل.
  قيل له: ذلك غير منصوص عن أصحابنا، وإطلاق يحيى # من أقر بمال وقال: إنه مؤجل يكون القول فيه قول المقر له يقتضي أن الكفالة وغيرها فيه سواء، وبه قال أبو يوسف، روي أنه رجع إليه آخراً، فأما على قول أبي حنيفة ومحمد وقول أبي يوسف الأول فيمكن الفصل بينهما بأن يقال: إن مال الكفالة يجوز أن يتعلق ثبوته بمجيء وقت معلوم، كأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد كفلت لك عشرة دراهم، مؤجلاً ثبوته في الحال، فالمقر به مقر بمال لم يتقرر ثبوته في الحال، فوجب أن يكون القول قوله في الأجل، وليس كذلك سائر الديون؛ لأن ثبوتها لا يجوز أن يتعلق بزمان مستقبل؛ لأن قوله: بعتك بعشرة إلى شهر يقتضي ثبوت العشرة في الحال، ودخل الأجل لتأخير المطالبة، فبان أن سائر الديون لا يجوز أن يكون سبيله سبيل مال الكفالة، يكشف ذلك أنه لو قال: بعتك هذا الثوب بعشرة على ألا تلزمك العشرة إلا بعد شهر لم يصح، فبان أن دخول الأجل لتأخير المطالبة. على أن الأجرى على القياس هو ما قلناه أولاً؛ لأن الكلام ليس هو في الثبوت، وإنما هو في وقت المطالبة، وقد ثبت دين لا تجوز مطالبته إلا بعد مدة.
(١) «لأنه» ساقط من (ج).
(٢) في (هـ): بين أهل اللغة والشريعة.