شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب القضاء والأحكام

صفحة 175 - الجزء 6

  ووجب الحكم ببينة مدعي الكل؛ إذ هو الخارج من ذلك النصف، فهذا وجه قولهم. وعندنا أن بينة الخارج وإن كانت أولى فليس الأمر على ما قالوه، وذلك أن مدعي النصف يدعي في الشيء نصفاً شائعاً في الجميع، ويدعي أنه لا جزء منه مما هو في يده أو في يد مدعي الكل إلا وهو شريكه فيه ومالك لنصفه، فهو مقر أن ما في يده من النصف هو بينة وبين مدعي الكل، وكذلك يدعي أن النصف الذي في يد مدعي الكل [هو بينه وبينه، فصار هو مدعياً لنصف ما في يد مدعي الكل]⁣(⁣١) وهو الربع، ومدعياً لنصف ما في يده، وهو الربع الباقي، فإذا أقام البينة لم تسمع بينته على الربع الذي في يده، ثم إن الربع الباقي منه قد سلمه وأقر به لصاحبه، فلم يستحق منه شيئاً، إلا أنه ادعى نصف ما في يد صاحبه وأقام البينة عليه، فحكمنا له به، ويكشف⁣(⁣٢) ذلك أنه لم يدع نصفاً معيناً هو في يده، بل ادعى نصفاً شائعاً في الجميع، فلا بد من أن يكون مدعياً لنصف ما في يد مدعي الكل، ومما يبين ذلك ما ذهب إليه كثير من العلماء أن الدار إذا كانت بين شريكين على سبيل الشياع فغاب أحد الشريكين أنه ليس للشريك الحاضر أن ينتفع بسكناها، وعللوا ذلك بأن قالوا: إن كل جزء منها إذا انتفع به يكون منتفعاً بملك شريكه مع ملك نفسه، فوضح صحة ما ذهبنا إليه في هذا الباب.

  فإن قيل: إن الذي في يده هو النصف الشائع، وهو الذي يدعي ملكه، فإذا أقام البينة كان مقيماً لها عليه.

  قيل له: الذي يكون في يده هو الذي يتأتى تصرفه فيه، ولا يجوز أن يكون في يده ما لا يتأتى تصرفه فيه، ولا يتأتى تصرفه إلا في ملكه وملك شريكه؛ إذ لا يصح أن يتصرف فيما هو خاص له، فبان أن ما في يده مما يدعيه هو الربع، وأنه يدعي ربعاً آخر في يد خصمه، فصح ما قلناه.


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (د).

(٢) في (ب، د، هـ): «يكشف» بدون واو.