شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في الدعوى والبينات

صفحة 177 - الجزء 6

مسألة: [في عدم تأثير زيادة الشهود إذا أقام أحد المدعيين شاهدين والآخر أكثر]

  قال: فإن أقام أحدهما شاهدين وأقام الآخر أربعة شهود أو أكثر كان الأمر سواء، ولم يكن لزيادة الشهود تأثير⁣(⁣١).

  وبه قال العلماء، وحكي عن قوم أنهم جعلوا لكثرة الشهود تأثيراً، وحكي ذلك عن الأوزاعي، وذلك لا معنى له؛ لأن الله تعالى يقول: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْۖ ...} الآية [البقرة: ٢٨١]، فعلق الحكم بالشاهدين والشاهد والمرأتين، فوجب إمضاء الحكم به، وإذا وجب إمضاء الحكم به لم يجب التوقف عن الحكم له لزيادة شهود خصمه، وإلا كان ذلك رفعاً لمقتضى الآية. وأيضاً قد ثبت بالإجماع أن شهادة الشاهدين كافية في إلزام الحق، فوجب أن يكون الزائد على ذلك من عدد الشهود لا يعتبر حال لزوم الحكم؛ دليله الإقرار، ألا ترى أن الإقرار لما كان كافياً في إلزام الحكم⁣(⁣٢) لم يكن لتكريره وزيادة عدده مزية؟ فكذلك عدد الشهود. ويمكن أن يقاس على عدد الشهادة؛ لأن الشهادة متى وقعت مرة واحدة لزم بها الحكم، فلا مزية لتكريرها.

  فإن قيل: فقد جرت العادة من الحكام بسماع شهادة أكثر من شاهدين، ولو لم يكن لذلك تأثير لكان لغواً.

  قيل له: إنما يفعلون ذلك للاحتياط؛ لأن كثرة الشهود لا تضر، ولأن بعضهم لو رجع لبقي ما ينفذ الحكم به، ولو رجعوا بعد الحكم سقط التضمين ما بقي اثنان، ولم يجب نقض الحكم على مذهب من يرى ذلك، ولأنه أقوى في غلبة ظن الحاكم.

  فإن قيل: قد اعتبر في الشهادات الأقوى، والشهود إذا كثر عددهم كانت شهادتهم أقوى.


(١) المنتخب (٥٠٣).

(٢) لعلها: الحق.