باب القول في الإقرار
  فإن قيل: غرماء الصحة قد تعلق لهم حق الاستيفاء في مرضه بماله، ألا ترى أنه لو وهب أو تصدق ثم مات فسخ ذلك لحق الغرماء؟ فإذا ثبت أن حقهم تعلق بالمال في المرض لم يصدق المريض عليهم في إيجاب حق الغير مع حقهم.
  قيل له: هذا منتقض بالورثة، وذلك أن حقهم تعلق بماله في المرض فيما زاد على الثلث، ألا ترى أنه لو زاد على الثلث في الهبة والصدقة وجب أن يفسخ؟ ومع هذا صدق(١) من أقر بما زاد على الثلث مع تعلق حق الوارث به، فكذلك مع تعلق حقوق غرماء الصحة به. وأيضاً قد استووا هم وغرماء الصحة في وجوب فسخ الهبة والصدقة لحقوقهم، فوجب أن يستووا في الاستيفاء.
  وأما الإقرار في المرض للوارث فإن أبا حنيفة يبطله إذا مات في مرضه، وحكي ذلك عن مالك، وقال الشافعي: هو ثابت صحيح مات أو عوفي. وبه نقول.
  فإن قيل: حال المرض حال التهمة، فوجب أن يقدم عليه إقرار حال الصحة.
  قيل له: ليس كذلك، بل حال المرض أبعد من التهمة؛ لأنها حال يظن معها الورود على الله ø والانقطاع عن أحوال الدنيا التي لها يقدم الإنسان على ما لا يجب، على أنا لو سلمنا أنها حال التهمة لم يؤثر؛ لأن بالتهم والشبه لا تسقط الحقوق، وإنما تدرأ الحدود، فلا تعلق بها.
  ووجه قولنا في جواز إقرار المريض للوارث: قوله ø: {وَلْيُمْلِلِ اِ۬لذِے عَلَيْهِ اِ۬لْحَقُّ}[البقرة: ٢٨١]، ومعلوم أنه أمر به لتثبيت الحق، ولم يخص به الصحيح من المريض، وأن يكون صاحب الحق وارثاً أو غير وارث، وكذلك(٢) قوله تعالى: {كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء: ١٣٤]. وأيضاً هو مميز نافذ الإقرار للأجنبي، فوجب أن يثبت إقراره للوارث؛ دليله الصحيح، والإقرار هو إخبار
(١) في (هـ): يصدق.
(٢) في (أ، ب، ج، د): فكذلك.